ولم يترك توسعة الكلام بحمد الله عجزًا ولا جهلاً، ولكن ورعًا وفضلاً واكتفاءً بالسنة، فإن فيها كفاية، واقتداءً بالسلف الصالح من الصحابة والتابعين، فبالاقتداء بهم تحصل الهداية.
فإن أنت قبلت هذه النصيحة، وسلكت الطريقة الصحيحة، فلتكن همتك؛ حفظ ألفاظ الكتاب والسنة، ثم الوقوف عَلَى معانيها بما قال سلف الأمة وأئمتها، ثم حفظ كلام الصحابة والتابعين وفتاويهم وكلام أئمة الأمصار، ومعرفة كلام الإمام أحمد وضبطه بحروفه ومعانيه، والاجتهاد عَلَى فهمه ومعرفته.
وأنت إذا بلغت من هذه الغاية: فلا تظن في نفسك أنك بلغت النهاية، وإنما أنت طالبٌ متعلم من جملة الطلبة المتعلمين.
ولو كُنتَ بعد معرفتك ما عرفتَ موجودًا في زمن الإمام أحمد، ما كنت حينئذٍ معدودًا من جملة الطالبين. فإن حدثتك نفسُك بعد ذلك أنك قد انتهيت أو وصلت إِلَى ما وصل إِلَيْهِ السَّلفُ، فبئس ما رأيت.
وإيّاك ثم إيّاك أن تترك حفظ هذه العلوم المشار إليها، وضبط النصوص والآثار المعول عليها، ثم تشتغل بكثرةِ الخصام والجدال، وكثرة القيل والقال، وترجيح بعض الأقوال عَلَى بعض الأقوال مما استحسنه عقلُك، لا تعرف في الحقيقة من القائل لتلك الأقوال، وهل هو من السَّلف المُعتبر بأقوالهم، أو من غير أهل الاعتدال.
إيّاك أن تتكلم في كتاب الله أو في حديث رسول الله بغير ما قاله السَّلفُ، كما أشار إِلَيْهِ إمامك، فيفوتك العِلْمُ النافع، وتضيع أيامُك.
فإن العِلْم النافع: إِنَّمَا هو ما ضبُط في الصدور، وهو عن الرسول أو عن السَّلف الصالح مأثور.
وليس العِلْم النافع أرأيت وأريت؛ فقد نهى عن ذلك الصحابةُ ومن بعدهم