للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإذا كان عُمر قد أنكر عَلَى هشام بن حكيم بن حزام عَلَى عهد النبي صلى الله عليه وسلم في آيةٍ أشدُّ الإنكار، وأبيُّ بن كعب حصل له بسبب اختلاف القرآن ما أخبر به عن نفسه من الشك، وبعض من كان يكتبُ الوحي للنبي - صلى الله عليه وسلم - ممن لم يرسخ الإيمانُ في قلبه ارتد، بسبب ذلك حتى مات مرتدًّا.

هذا كلُّه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف الظن بالأمّة بعده أنْ لو بقي الاختلافُ في ألفاظ القرآن بينهم.

فلهذا ترك جمهورُ علماء الأمة القراءة بما عدا هذا الحرف الَّذِي جمع عثمان عليه المسلمين، ونهوا عن ذلك. ورخَّص فيه نفرٌ منهم (١)، وحُكي رواية عن أحمد ومالك مع اختلاف عنهما عَلَى ذلك به في الصلاة وغيرها أم خارج الصلاة فقط.

وبكل حال: فلا تختلف الأمة أنه لو قرأ أحدٌ بقراءة ابن مسعود ونحوها مما يخالف هذا المُصحف المجتمع عليه، وادَّعى أنَّ ذلك الحرف الَّذِي قرأ به هو حرف زيد بن ثابت الَّذِي جمع عليه عثمانُ الأمَّة، أو أنَّه أولى بالقراءة من حرف زيد: لكان ظالمًا متعديًا مستحقًّا للعقوبة. وهذا لا يختلف فيه اثنان من المسلمين. إِنَّمَا محل الخلاف: إذا قرأ بحرف ابن مسعود ونحوه مع اعترافه أنَّه حرفُ ابن مسعود المخالف لمصحف عثمان رضي الله عنه.

وأما سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم: فإنَّها كانت في الأمة تُحفظ في الصدور كما يُحفظ القرآن، وكان من العُلَمَاء من يكتبها كالمصحف، ومنهم من ينهى عن كتابتها.

ولا ريب أنَّ الناس يتفاوتون في الحفظ والضبط تفاوتًا كبيرًا.


(١) منهم ابن مسعود -رضي الله عنه- (٣١٠٣) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وابن أبي داود في "المصاحف" كما في "الفتح" (٩/ ١٩) عن أنس.

<<  <   >  >>