للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأمَّا سائر الناس، فإنَّهم يعوَّلون عَلَى هذه الكتب المشار إليها، ويكتفون بالعزو إليها.

وأما الأحكام ومسائل الحلال والحرام؛ فلا ريب أنَّ الصحابة والتابعين ومن بعدهم اختلفوا في كثيرٍ من هذه المسائل اختلافًا كثيرًا، وكان في الأعصار (المتقدمة) (*) كلُّ من اشتُهر بالعلم والدين يفتي بما ظهر له أنَّه الحق في هذه المسائل، مع أنَّه لم يخل من كان يشذ منهم عن الجمهور عن إنكار العُلَمَاء عليه.

كما كان يُنكر عَلَى ابن عباس رضي الله عنه مسائل متعددة تفرَّد بها (١).

وأُنكر ذلك عَلَى أتباعه أشدُّ من الإنكار عليه، حتى كان ابنُ جُريج لما قدم البصرة، إذا رآه الناسُ دخل المسجد الجامع رفعوا أيديهم ودعوا الله عليه؛ لشذوذه بتلك المسائل التي تلقَّى عن أصحاب ابن عباس، حتى أنَّه رجع عن بعضها قبل أن يخرج من عندهم. وهذا مع أنَّ الناس حينئذٍ كان الغالبُ عليهم الدين والورع.

فكان ذلك يُريحهم عن أن يتكلَّم أحدُهم بغير علم، أو ينصب نفسه للكلام، وليس هو لذلك بأهل.

ثم قلَّ الدينُ والورع، وكثرُ من يتكلم في الدين بغير علم، ومن ينصب نفسه لذلك وليس هو له بأهل.

فلو استمر الحالُ في هذه الأزمان المتأخِّرة عَلَى ما كان عليه في الصدر الأول بحيث أنَّ كلَّ أحدٍ يُفتي بما يدَّعي أنَّه يظهر له أنَّه الحق؛ لاختل به نظامُ الدين لا محالة، ولصار الحلالُ حرامًا والحرام حلالاً.

ولقال كلُّ من شاء ما يشاء، ولصار دينُنا بسبب ذلك مثل دين أهل الكتابين من قبلنا.


(*) المتقادمة: "نسخة".
(١) كقوله في الربا والمتعة.

<<  <   >  >>