أما بعد: فإنه من اتقى الله فقد حفظ نفسه، ومن ضيع تقواه فقد ضيع نفسه، والله الغني عنه.
ومن عجيب حفظ الله تعالى لمن حفظه: أن يجعل الحيوانات المؤذية بالطبع حافظة له من الأذى وساعية في مصالحه، كما جرى لسفينة (١) مولى النبي صلّى الله عليه وسلم حيث كسر به المركب وخرج إِلَى جزيرة فرأى السبع، فَقَالَ له: يا أبا الحارث، أنا سفينة مولى النبي - صلى الله عليه وسلم - فجعل يمشي حوله ويدله عَلَى الطريق حتى أوقفه عليها، ثم جعل يُهَمْهِمُ كأنه يودعه وانصرف عنه.
وكان أبو إبراهيم السائح قد مرض في برية بقرب دير، فَقَالَ: لو كنت عند باب الدير لنزل الرهبان فعالجوني، فجاء السبع فاحتمله عَلَى ظهره حتى وضعه عَلَى باب الدير فرآه الرهبان فأسلموا وكانوا أربعمائة.
وكان إبراهيم بن أدهم نائمًا في بستان وعنده حية في فمها طاقة نرجس، فما زالت تذب عنه حتى استيقظ.
فمن حفظ الله حفظه من الحيوانات المؤذية بالطبع، وجعل تلك الحيوانات حافظة له.
ومن ضيع الله ضيعه الله بين خلقه، حتى يدخل عليه الضرر بشيء ممن كان يرجو أن ينفعه، ويصير أخص أهله به وأرفقهم به يؤذيه.
كما قال بعضهم: إني لأعصى الله فأعرف ذلك في خلق خادمي وحماري. يعني: أن خادمه يسوء خلقه عليه ولا يطيعه، وحماره يستعصي عليه فلا يواتيه لركربه. فالخير كله مجموع في طاعة الله والإقبال عليه، والشر كله مجموع في معصيته والإعراض عنه.