للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الخلق كلهم جميعًا عَلَى خلاف المقدور غير مفيد شيئًا ألبتة، علم حينئذ أن الله تعالى وحده هو الضار النافع والمعطي المانع، فأوجب ذلك للعبد توحيد ربه -عز وجل- وإفراده بالاستعانة والسؤال والتضرع والابتهال، وإفراده أيضاً بالعبادة والطاعة؛ لأنّ المعبود إِنَّمَا يقصد بعبادته جلب المنافع ودفع المضار، ولهذا ذم الله سبحانه من يعبد ما لا ينفع ولا يضر ولا يغني عن عابده شيئًا، وأيضًا فكثير ممن لا يحقق الإيمان (في قلبه) (*) يقدّم طاعة مخلوق عَلَى طاعة الله رجاء نفعه أو دفعًا لضره، فإذا تحقق العبد تفرد الله وحده بالنفع والضر وبالعطاء والمنع، أوجب ذلك إفراده بالطاعة والعبادة، ويقدم طاعته عَلَى طاعة الخلق كلهم جميعًا، كما يوجب ذلك أيضاً إفراده سبحانه بالاستعانة به، والطلب منه.

وقد اشتملت هذه الوصية العظيمة الجامعة عَلَى هذه الأمور المهمة كلها.

فإن حفظ العبد لله -عز وجل- هو حفظ حدوده ومراعاة حقوقه وهو حقيقة عبادته، وهو أول ما صُدِّرت به هذه الوصية، ورُتِّب عَلَى ذلك حفظ الله لعبده، وهو نهاية ما يطلبه العبد من ربه ويريده منه، ثم عقَّب ذلك بذكر التعرف إِلَى الله في الرخاء، وأنه مقتض لمعرفة الله لعبده في الشدة وهذا هو من تمام حفظ الله لعبده وداخل فيه، إلا أن حالة الشدة لما كان العباد مضطرين فيها إِلَى من يعرفهم ويفرج عنهم خُصَّت بالذكر لهذا المعنى، وفي هذه الحالة يُخلص المشركون الدعاء إِلَى الله وحده، ويُفردونه بالسؤال والطلب لعلمهم أنَّه لا يكشف الضر سواه سبحانه، ثم يعودون عند كشف الضر عنهم إِلَى الشرك كما ذكر سبحانه ذلك عنهم في مواضع من كتابه وذمَّهم عليه، فأمر - صلى الله عليه وسلم - بمخالفتهم في ذلك بالتعرف إِلَى الله في حال الرخاء بإخلاص الدين له وحده وبطاعته والتقرب إِلَيْهِ، ليوجب ذلك معرفته لهم في الشدة وكشفها عنهم.

ثم عقب ذلك بذكر إفراد الله بالسؤال، وإفراده بالاستعانة وذلك يشمل حال الشدة وحال الرخاء. ثم ذكر بعد هذا كله الأصل الجامع الَّذِي (تنبني) (*)


(*) وقلبه: "نسخة".
(**) تبني: "نسخة"، وتبتني: "نسخة أخرى".

<<  <   >  >>