للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأنشد أبو تراب:

لا تخدعن فللمحب دلائل ... ولديه من تحف الحبيب وسائل

منها تنعمه بمرِّ بلائه ... وسروره في كل ما هو فاعل

فالمنع منه عطية مقبولة ... والفقر إكرامٌ وبرٌّ عاجل

دخلوا عَلَى رجل قد قتل ولده في الجهاد يعزونه فبكى وقال: ما أبكي عَلَى قتله، إِنَّمَا أبكي كيف كان رضاه عن الله حين أخذته السيوف؟:

إن كان سكان الغضا ... رضوا بقتلي فرضى

والله لا كنت لما ... يهوى الحبيب مبغضا

صرت لهم عبدًا وما ... للعبد أن يعترضا

هم قلبوا قلبي من الشـ ... ـوق عَلَى جمر الغضا

يا ليت أيام الحمى ... يعود منها ما مضى

من لمريض لا يرى ... إلا الطبيب الممرضا

والمقصود أن النبي صلّى الله عليه وسلم أمر ابن عباس بالعمل لله بالرضا إن استطاعه، ثم قال له: "فإن لم تستطع فإن في الصبر عَلَى ما تكره خيرًا كثيرًا".

وهذا يدل عَلَى أن الرضا بالأقدار المؤلمة ليس بحتم واجب؛ وإنَّما هو فضل مندوب إِلَيْهِ، فمن لم يستطع الرضا فليلزم الصبر، فإن الصبر واجب لابد منه، وفيه خير كثير، فإن الله تعالى أمر بالصبر ووعد عليه جزيل الأجر، قال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: ١٠] وقال: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: ١٥٥ - ١٥٧] وقال تعالى: {وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ * الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ} [الحج: ٣٤، ٣٥].

قال الحسن: الرضا عزيز ولكن الصبر مُعَوَّلُ المؤمن.

<<  <   >  >>