للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقهر وأسر، وصار ذليلا أسيرًا في يدي شيطانه وهواه، كما قيل.

قال غيره:

رب مستور سبته صبوة ... فتعرى صبره فانهتكا

صاحب الشهوة عبد فإذا ... غلب الشهوة صار الملكا

قال ابن المبارك رحمه الله: من صبر فما أقل ما يصبر، ومن جزع فما أقل ما يجزع.

وفي الصحيحين عن النبي صلّى الله عليه وسلم:

"ليس الشديد بالصُّرعة، إِنَّمَا الشديد الَّذِي يملك نفسه عند الغضب" (١).

ووصف بعضهم الأحنف بن قيس فَقَالَ: كان أشد الناس سلطانًا عَلَى نفسه عند الغضب.

قيل لبعضهم: إن فلانًا يمشي عَلَى الماء! فَقَالَ: من مكّنه الله من مخالفة هواه فهو أقوى ممن يمشي عَلَى الماء.

واعلم أن نفسك بمنزلة دابتك، إن عرفت منك الجدّ جدت، وإن عرفت منك الكسل طمعت فيك، وطلبت منك حظوظها وشهواتها.

كان أبو سليمان الداراني يقول: كنت بالعراق، أمر عَلَى تلك القصور والمراكب والملابس والمطاعم التي للملوك، فلا تلتفت نفسي إِلَى شيء من ذلك، وأمر عَلَى التمر، فتكاد نفسي تقع عليه، فذكر ذلك لبعض العارفين فَقَالَ: تلك الشهوات آيس نفسه منها فآيست والتمرة أطعمها فيه فطعمت، كما قيل:

صبرت عَلَى اللذات حتى تولت ... وألزمت نفسي هجرها فاستمرت

وما النفس إلا حيث يجعلها الفتى ... فإن طعمت تاقت لها وإلا تسلت

وكانت عَلَى الأيام نفسي عزيزة ... فلما رأت عزمي عَلَى الذل ذلت


(١) أخرجه البخاري (٦١١٤)، ومسلم (٢٦٠٨).

<<  <   >  >>