للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أَقولُ: الكونية هي التي يَلزَم منها وقوع المُراد، وعلى هذا فالكافِر مُرادٌ منه أن يُؤمِن ولم يُؤمِن، ومُرادٌ منه أن يَكفُر وقد كفَرَ، فمُرادٌ منه أن يُؤمِن بالشَّرْعية - ومُرادٌ منه أن يَكفُر - بالإرادة الكونية - فكفَر.

والمُؤمِن الذي آمَن؛ مُرادٌ منه أن يُؤمِن - بالإرادة الشرعية - ومُرادٌ منه أن يُؤمِن - بالإرادة الكَوْنية - لأنه آمَن.

وعلى هذا فالمُؤمِن اجتَمَع في حَقِّه الإرادتان: الكَوْنية والشَّرْعية، والكافِر في حَقِّه الإرادة الكونية دون الشرعية.

فهنا قوله تعالى: {إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ} وقوله تعالى: {أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ} أَراد بهما الإِرادة الكونية.

الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: أن الله عَزَّ وَجَلَّ يَبتَلي الإنسان بالضُّرِّ وبالرحمة، وهو كذلك، فيَبتليه بالضُّرِّ ويَبتليه بالرحمة؛ قال الله تعالى: {وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ} [الروم: ٣٣]، فالله عَزَّ وَجَلَّ يَبتَلي بالضُّرِّ ويَبتِلي بالرحمة.

الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ: الفَرْق بين الضُّرِّ وبين الرحمة، أن الرحمة قال تعالى فيها: {هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ} والضرُّ قال تعالى فيه: {هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ}؛ لأن الرحمة تَحتاج إلى بَقاء فإذا أَبقَى الله تعالى الرحمة، فهل هذه الأَصنامُ هي التي تُمسِك الرحمة أو الله تعالى؟ بل الله عَزَّ وَجَلَّ هو الذي يُمسِك الرحمةَ، وليست هذه الأَصنامُ.

ويُحتَمَل في الآية وجهٌ آخَرُ، وهو أن قوله تعالى: {هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ} مَعناه: أن تَصِل إلى المَرحوم، فيَكون {مُمْسِكَاتُ} بمَعنى: مانِعات للرحمة؛ ليَكون ذلك في مُقابِل {هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ}.

<<  <   >  >>