للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ: وجوب اعتِماد الإنسان على الله تعالى؛ لقوله: {قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ} أي: قُلْها باللِّسان مُعتَقِدًا إيَّاها بقَلْبك.

الْفَائِدَةُ الْعَاشِرَةُ: أن أحقَّ مَن يُتوَكَّل عليه هو الله تعالى؛ لقوله: {عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ}.

فإن قال قائِل: هل تَحقيق التَّوكُّل يُنافي فِعْل الأسباب؟

فالجَوابُ: لا، إلَّا إذا تَعذَّرتِ الأسباب ولم يَبْقَ إلَّا التَّوكُّل، فحينئذٍ يَكون هو سبب الأسباب، فالإنسان مَأمور بفِعْل السبَب، فإذا فعَله ولم يُفِد أو لم يَكُن السبَب مَوجودًا مَقدورًا عليه لم يَبقَ إلَّا التَّوكُّل.

وإن قال: ما هو الدليلُ على أن فِعْل الأسباب لا يُنافِي التَّوكُّل؟

قُلنا: وقوع ذلك من سيِّد المُتوكِّلين محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، فإنه عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كان يَأخُذ بالأسباب؛ فيَأكُل ليَندَفِع عنه الجوع، ويَشرَب ليَندَفِع عنه العطَش، ويَتدَرَّع بالدُّروع في الحرب ليَتَّقيَ بذلك السهامَ، بل إنه عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ في أُحُد ظاهَرَ بين دِرْعين (١)؛ لأن ذلك أَقوى في الصِّيانة والحِماية، وشَقَّ الخَندَق على المدينة في غَزوة الأحزاب (٢) مَنعًا للعَدوِّ من دُخول المدينة، والشواهِدُ على هذا كثيرة.

ولكن نُقيِّد الأسباب بأن يَثبُت كونها سببًا شرعًا أو حِسًّا، فلا بُدَّ أن يَثبُت


(١) أخرجه الإمام أحمد (٣/ ٤٤٩)، وأبو داود: كتاب الجهاد، باب في لبس الدروع، رقم (٢٥٩٠)، وابن ماجه: كتاب الجهاد، باب السلاح، رقم (٢٨٠٦)، من حديث السائب بن يزيد - رضي الله عنه -، وعند أبي داود عن السائب عن رجل قد سماه مرفوعا.
(٢) أخرجه البخاري: كتاب الجهاد والسير، باب حفر الخندق، رقم (٢٨٣٧)، ومسلم: كتاب الجهاد والسير، باب غزوة الأحزاب، رقم (١٨٠٣)، من حديث البراء - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>