للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أمرٌ لا يمكن إدراكُه، ولهذا قال رحمه اللّه: والسؤال عنه بدعة، عن كيفيته؛ لأن الصحابة رضي اللّه عنهم، وهم واللّه أحرص منا على العلم ما كانوا يسألون النبي - صلى الله عليه وسلم -: كيف استوى ربنا على العرش، لكن سألوه: أين كان ربنا قبل أن يخلق السماوات والأرض؟ أما هذا فلم يسألوا عنه، وشيءٌ لم يذهب إليه سلفُ هذه الأمة مما يتعلَّق بدين اللّه، فإن الذهاب إليه بدعة، ولهذا قال: السؤال عنه بدعة.

أما الإيمان به فواجبٌ؛ لأن اللّه أخبر به، وكل ما أخبر اللّه به فإنه يجب علينا أن نؤمن به.

يقول عز وجل: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج: ٤] والمراد بالروح هنا: جبريل، وهو من الملائكة، ولكنه خصَّه بالذكر اعتناءً به وتعليةً لشأنه، ومثل هذه الآية في تخصيص جبريل: قوله تعالى في ليلة القدر: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ}.

وقوله: {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} الجار والمجرور تقديره: يقع في يوم، وإن شئتَ فقل: إنه متعلق بكلمة واقع، وليس متعلِّقًا بـ (تعرج)؛ لأن عروج الملائكة والروح إليه في كل وقت، لكن العذاب الواقع يقع في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، وفيه من الأهوال العِظام ما يجعل الولدان شيبًا، ولكن هذا اليوم على صعوبته ومشقته هو يسيرٌ على المؤمن - أسأل اللّه أن يجعلني وإياكم منهم -، كما قال تعالى: {وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا} أي: لا على المؤمنين، وقال عز وجل: {عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا}، وأما المؤمنون فهو يسيرٌ عليهم.

ثم ذكر اللّه عز وجل أن هؤلاء المُكذِّبين يستبعدونه، ويرونه بعيدًا، وهو قريب يسيرٌ على اللّه؛ لأن اللّه إذا أراد شيئًا قال له: كن، فيكون {إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ}، {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (١٣) فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ}.

وقوله: {يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ (٨) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (٩) وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا} [المعارج: ٨ - ١٠] الحميم: الصاحب والقريب، لا يسأل حميمٌ عن حميم؛ لأن لكل واحدٍ منهم شأنًا يُغنيه.

{يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ} يعني: يُقدِّم ابنَه فداءً له، في الدنيا تُقدِّم نفسك فداءً لولدك، وقد ذُكِر في قصة قوم نوح، حين أمر اللّه عز وجل السماء أن تُمطِر، والأرض أن تنبُت، قال اللّه عز وجل: {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (١١) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ}، ذُكِر أن امرأة كان لها صبي، فلما رأت الماء يرتفع، ذهبت إلى جبل، ورقِيَت عليه، فارتفع الماء، ثم ارتفعت، فارتفع الماء، ثم ارتفعت، فارتفع الماء إلى قمة الجبل، ثم ارتفع الماء حتى ألجَمَ المرأة، فأخذت صبيَّها ورفعته فوق يدها، تريد أن تموت قبل أن يموت الصبي، وجاء في هذا: لو كان اللّه راحمًا أحدًا، لرحِمَ أم الصبي، لكن يوم القيامة ليس كحال الدنيا، {يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (١١) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (١٢) وَفَصِيلَتِهِ} أي: عشيرته {الَّتِي تُؤْوِيهِ (١٣) وَمَنْ فِي

<<  <   >  >>