للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال الله عز وجل: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} (١).

قال إبراهيم (٢): كان يكره لهم أن يستذلوا، قالوا: كانوا يكرهون للمؤمنين أن يذلوا أنفسهم فيجترئ عليهم الفساق. (٣)

وهذا عندي ـ والله أعلم ـ فيما كان لله تبارك وتعالى، من أمر بحق أو نهي عن باطل ومنكر، فمن فعل ذلك لا ينبغي له أن يصبر على المذلة، بل يعز نفسه ففي ذلك إعزاز الدين، فأما إذا كان البغي عليه في نفسه لا يتعدى إلى الشريعة، فصبر واحتسب فذلك حسن، وفاعله لَحَقه من الله التوفيق، وما يلقى مثل ذلك إلا الذين صبروا ومُنّ عليهم بالحظ العظيم.

قال الله تبارك وتعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} (٤).

السيئة هاهنا قد تكون القتل، والجراح، والقذف، والسب، وتعد في المال، وغير ذلك من أفعال القبيحة، فمن فُعل به شيء من ذلك فالعفو فيه أفضل، وإن أحب القصاص فله أن يفعل مثل الذي أتي إليه وجني عليه، لا يتعداه بزيادة ولا يعدل بالعقوبة إلى غير فاعله، وقد تؤخذ من الجراح المال ومن تخريق الثوب قيمته وما أشبه ذلك، فليس المعاقب يسيء إذا لم يتعد حقه.

وإنما سمي بالإساءة للمجاورة فقيل: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} فسمي المقتص باسم المبتدئ المسيء، كما قيل: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} (٥)


(١) سورة الشورى (٣٩)
(٢) هو النخعي، تقدم.
(٣) أخرجه وابن أبي حاتم في تفسيره (١٠/ ٣٢٧٩) وعلقه البخاري في صحيحه [٤٨٥ كتاب المظالم، باب الانتصار من الظالم] بنحوه.
(٤) سورة الشورى (٤٠).
(٥) سورة النحل (١٢٦).

<<  <   >  >>