للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَكْفِيكُمْ لَوْ أَقَمْتُمُوهُ". قَالَ فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فِيمَا سَأَلُوهُ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ {وَلَوْ أَنّمَا

ــ

مُتَبَايِنٌ إنْ شَاءَ اللهُ فَنَقُولُ وَبِاَللهِ التّوْفِيقُ الرّوحُ مُشْتَقّ مِنْ الرّيحِ وَهُوَ جِسْمٌ هَوَائِيّ لَطِيفٌ بِهِ تَكُونُ حَيَاةُ الْجَسَدِ عَادَةً أَجْرَاهَا اللهُ تَعَالَى ; لِأَنّ الْعَقْلَ يُوجِبُ أَلّا يَكُونَ لِلْجِسْمِ حَيَاةٌ حَتّى يُنْفَخَ فِيهِ ذَلِكَ الرّوحُ الّذِي هُوَ فِي تَجَاوِيفِ الْجَسَدِ كَمَا قَالَ ابْنُ فُورَكٍ وَأَبُو الْمَعَالِي وَأَبُو بَكْرٍ الْمُرَادِيّ، وَسَبَقَهُمْ إلَى نَحْوٍ مِنْهُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيّ، وَمَعْنَى كَلَامِهِمْ وَاحِدٌ أَوْ مُتَقَارِبٌ.

الرّوحُ سَبَبُ الْحَيَاةِ:

فَصْلٌ: فَإِذَا ثَبَتَ أَنّ الرّوحَ سَبَبُ الْحَيَاةِ عَادَةً أَجْرَاهَا اللهُ تَعَالَى، فَهُوَ كَالْمَاءِ الْجَارِي فِي عُرُوقِ الشّجَرَةِ صُعُدًا، حَتّى تَحْيَا بِهِ عَادَةً فَنُسَمّيهِ مَاءً بِاعْتِبَارِ أَوّلِيّتِهِ وَنُسَمّي أَيْضًا هَذَا رُوحًا بِاعْتِبَارِ أَوّلِيّتِهِ وَاعْتِبَارِ النّفْخَةِ الّتِي هِيَ رِيحٌ فَمَا دَامَ الْجَنِينُ فِي بَطْنِ أُمّهِ حَيّا، فَهُوَ ذُو رُوحٍ فَإِذَا نَشَأَ وَاكْتَسَبَ ذَلِكَ الرّوحُ أَخْلَاقًا وَأَوْصَافًا لَمْ تَكُنْ فِيهِ وَأَقْبَلَ عَلَى مَصَالِحِ الْجِسْمِ كَلَفًا بِهِ وَعَشِقَ مَصَالِحَ الْجَسَدِ وَلَذّاتِهِ وَدَفَعَ الْمَضَارّ عَنْهُ سُمّيَ نَفْسًا، كَمَا يَكْتَسِبُ الْمَاءُ الصّاعِدُ فِي الشّجَرَةِ مِنْ الشّجَرَةِ أَوْصَافًا لَمْ تَكُنْ فِيهِ فَالْمَاءُ فِي الْعِنَبَةِ مَثَلًا هُوَ مَاءٌ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ وَالْبَدْأَةِ فَفِيهِ مِنْ الْمَاءِ الْمُيُوعَةُ وَالرّطُوبَةُ وَفِيهِ مِنْ الْعِنَبَةِ الْحَلَاوَةُ وَأَوْصَافٌ أُخَرَ فَتُسَمّيهِ مِصْطَارًا إنْ شِئْت، أَوْ خَمْرًا إنْ شِئْت، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمّا أَوْجَبَهُ الِاكْتِسَابُ لِهَذِهِ الْأَوْصَافِ فَمَنْ قَالَ إنّ النّفْسَ هِيَ الرّوحُ عَلَى الْإِطْلَاقِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ فَلَمْ يُحْسِنْ الْعِبَارَةَ وَإِنّمَا فِيهَا مِنْ الرّوحِ الْأَوْصَافُ الّتِي تَقْتَضِيهَا نَفْخَةُ الْمَلَكِ وَالْمَلَكُ مَوْصُوفٌ بِكُلّ خُلُقٍ كَرِيمٍ وَلِذَلِكَ قَالَ فِي الْحَدِيثِ: "فَمِنْ الرّوحِ عَفَافُهُ وَحِلْمُهُ وَوَفَاؤُهُ وَفَهْمُهُ وَمِنْ النّفْسِ شَهْوَتُهُ وَغَضَبُهُ وَطَيْشُهُ" وَذَلِكَ أَنّ الرّوحَ كَمَا قَدّمْنَا مَازِجُ الْجَسَدِ الّذِي فِيهِ الدّمُ وَيُسَمّى الدّمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>