يَكُنْ بِك عَلَيّ غَضَبٌ فَلَا أُبَالِي، وَلَكِنْ عَافِيَتُك هِيَ أَوْسَعُ لِي، أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِك الّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظّلُمَاتُ وَصَلُحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِنْ أَنْ تُنْزِلَ بِي غَضَبَك، أَوْ
ــ
هَذِهِ الْآيَةِ الّتِي هِيَ الْيَوْمَ مُشْكِلَةٌ عِنْدَ عَوَامّ النّاسِ وَلَا الْكَافِرُ فِي ذَلِكَ الزّمَانِ لَمْ يَتَعَلّقْ بِهَا فِي مَعْرِضِ الْمُنَاقَضَةِ وَالْمُجَادَلَةِ كَمَا فَعَلُوا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنّمَ} [الْأَنْبِيَاءَ ٩٨] وَلَا قَالَ أَحَدٌ مِنْهُمْ يَزْعُمُ مُحَمّدٌ أَنّ اللهَ مَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ ثُمّ يُثْبِتُ لَهُ وَجْهًا وَيَدَيْنِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَدَلّ عَلَى أَنّهُمْ لَمْ يَرَوْا فِي الْآيَةِ إشْكَالًا، وَتَلَقّوْا مَعَانِيَهَا عَلَى غَيْرِ التّشْبِيهِ وَعَرَفُوا مِنْ سَمَانَةِ الْكَلَامِ وَمَلَاحَةِ الِاسْتِعَارَةِ أَنّهُ مُعْجِزٌ فَلَمْ يَتَعَاطَوْا لَهُ مُعَارَضَةً وَلَا تَوَهّمُوا فِيهِ مُنَاقَضَةً وَقَدْ أَمْلَيْنَا فِي مَعْنَى الْيَدَيْنِ وَالْعَيْنِ مَسْأَلَةً بَدِيعَةً جِدّا، فَلْتُنْظَرْ هُنَالِكَ.
وَأَمّا النّورُ فَعِبَارَةٌ عَنْ الظّهُورِ وَانْكِشَافِ الْحَقَائِقِ الْإِلَهِيّةِ وَبِهِ أَشْرَقَتْ الظّلُمَاتُ أَيْ أَشْرَقَتْ مَحَالّهَا وَهِيَ الْقُلُوبُ الّتِي كَانَتْ فِيهَا ظُلُمَاتُ الْجَهَالَةِ وَالشّكُوكِ فَاسْتَنَارَتْ الْقُلُوبُ بِنُورِ اللهِ وَقَدْ قَالَ الْمُفَسّرُونَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَثَلُ نُورِهِ} [النُّور:٣٥] أَيْ: مَثَلُ نُورِهِ فِي قَلْبٍ فِي الْمُؤْمِنِ {كَمِشْكَاةِ} فَهُوَ إِذا نُورُ الْإِيمَانِ وَالْمَعْرِفَةِ الْمُجْلِي لِكُلّ ظُلْمَةٍ وَشَكّ قَالَ كَعْبٌ الْمِشْكَاةُ مَثَلٌ لِفَهْمِهِ وَالْمِصْبَاحُ مَثَلٌ لِلِسَانِهِ وَالزّجَاجَةُ مَثَلٌ لِصَدْرِهِ أَوْ لِقَلْبِهِ أَيْ قَلْبِ مُحَمّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: " أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِك" وَلَوْ قَالَ بِنُورِك لَحَسُنَ وَلَكِنْ تَوَسّلَ إلَيْهِ بِمَا أَوْدَعَ قَلْبَهُ مِنْ نُورِهِ فَتَوَسّلَ إلَى نِعْمَتِهِ بِنِعْمَتِهِ وَإِلَى فَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ بِفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ وَقَدْ تَكُونُ الظّلُمَاتُ هَاهُنَا أَيْضًا الظّلُمَاتِ الْمَحْسُوسَةَ وَإِشْرَاقُهَا جَلَالَتُهَا عَلَى خَالِقِهَا، وَكَذَلِكَ الْأَنْوَارُ الْمَحْسُوسَةُ الْكُلّ دَالّ عَلَيْهِ فَهُوَ نُورُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute