للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أتوكف [ (١) ] خروج نبي قد أظل زمانه، هذه البلدة مهاجره، فكنت أرجو أن يبعث فأتبعه، وقد أظلكم زمانه، فلا تسبقنّ [ (٢) ] إليه يا معاشر يهود، فإنه يبعث بسفك الدماء وسبي الذراري والنساء ممن خالفه، فلا يمنعنكم ذلك منه.

فلما بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وحاصر بني قريظة، قال: هؤلاء الفتية- كانوا شبابا أحداثا-: يا بني قريظة، واللَّه إنه لهو بصفته، فنزلوا وأسلموا، فأحرزوا دماءهم وأموالهم [وأهليهم] [ (٣) ] .

وقال ابن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة عن أشياخ منهم [ (٤) ] ، قال:

قالوا: فينا واللَّه وفيهم نزلت هذه القصة، كنا قد علوناهم ظهرا في الجاهلية- ونحن أهل شرك وهم أهل كتاب- فكانوا يقولون: إن نبيا يبعث الآن نتبعه قد أظلّ زمانه، نقتلكم معه قتل عاد وإرم، فلما بعث اللَّه رسوله من قريش واتّبعناه كفروا به، يقول اللَّه تعالى: فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ، إلى قوله: عَذابٌ مُهِينٌ [ (٥) ] .

وعن عكرمة وسعيد بن جبير عن ابن عباس، أن يهود كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول اللَّه قبل مبعثه، فلما بعثه اللَّه من العرب كفروا به وجحدوا ما كانوا يقولون فيه، فقال لهم معاذ بن جبل وبشر بن البراء بن معرور: يا معشر يهود، اتقوا اللَّه وأسلموا، قد كنتم تستفتحون علينا بمحمد وإنا أهل شرك، وتخبروننا بأنه مبعوث، وتصفونه لنا بصفته، فقال سلام بن مشكم: ما هو بالذي كنا نذكر لكم، ما جاءنا بشيء نعرفه! فأنزل اللَّه تعالى في ذلك من قولهم ولما


[ (١) ] التوكف: التوقع والانتظار، وفي حديث ابن عمير: أهل القبور يتوكفون الأخبار، أي ينتظرونها ويسألون عنها. وفي التهذيب: أي يتوقعونها، فإذا مات الميت سألوه: ما فعل فلان وما فعل فلان؟ يقال:
هو يتوكف الخبر أي يتوقعه، ونقول: ما زلت أتوكفه حتى لقيته. (لسان العرب) : ٩/ ٣٦٤.
[ (٢) ] في (خ) : «يسبقنكم» .
[ (٣) ] في (خ) «وأهاليهم» ، وما أثبتناه من رواية ابن إسحاق فهي أجود، وبها جاء التنزيل: قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً [٦: التحريم] (سيرة ابن هشام) : ٢/ ٣٩- ٤٠ وهامشهما، وفي آخر هذا الأثر قال ابن إسحاق: (فهذا ما بلغنا من أخبار يهود) .
[ (٤) ] في رواية ابن إسحاق: «عن رجال من قومه» .
[ (٥) ] هذا الأثر مختصر من رواية ابن إسحاق، (سيرة ابن هشام) : ٢/ ٣٧.