للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيْ مُعْتَمِدِينَ عَلَى دَلِيلٍ.

وَأَمَّا مَا حَكَاهُ مِنْ قَوْلِهِمْ: "عَنَفَ بِهِ"، وَ"عَنَفَ عَلَيْهِ" (١) فَلَيْسَا مِنْ هَذَا البَابِ، إِنَّمَا عَنَفَ بِهِ كَقَوْلِكَ: أَلْصَقَ بِهِ العَنْفَ. وَعَنَفَ عَلَيْهِ أَوْقَعَ عَلَيْهِ العَنْفَ. وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الحَرَفَيْنِ يُمْكِنُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ أَصْلًا عَلَى مَوْضُوعِهِ الَّذِي وُضِعَ لَهُ. وَكَذَلِكَ. "خَرُقَ بهِ"، وَخَرُقَ عَلَيْهِ" (٢).

وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي ذُوئْبٍ: (كامل)

وَكَأَنَّهُنَّ رِبَابَةٌ وَكَأَنَّهُ … يَسَرٌ يَفِيضُ عَلَى الْقِدَاحِ وَيَصْدَعُ (٣)

فَلَيْسَ كَقَوْلِهِمْ: ارْكَبْ عَلَى اسْم الله، وَلَا كَقَوْلِ الآخَرِ: (كامل)

شُدُّوا المَطِيَّ عَلَى دَلِيلٍ دَائِبِ

لأَنَّ "عَلَى" فِي بَيْتِ أَبِي ذُؤَيْبٍ مُتَعَلِّقَةٌ بِنَفْسٍ "يُفِيضُ لأَنَّهُ يُقَالُ: أَفَاضَ بِالقِدَاحِ: إِذَا دَفَعَ بِهَا. فَالظَّاهِرُ مِنْ أَمْرِ "عَلَى" هَذِهِ أَنْ تَكُونَ بَدَلًا مِن البَاءِ، وَإِنَّمَا جَازَ لِـ "عَلَى" أَنْ تَقَعَ مَوْقِعَ البَاءِ، لأَنَّهُ إِذَا قَالَ: دَفَعَتْ به، فَمَعْنَاهُ كَمَعْنَى: أَوْقَعَتْ عَلَيْهِ الدَّفْعَ. وَهَذَا التَّفْسِيرُ عَلَى قَوْل مَنْ جَعَلَ "يَصْدَعُ" فِي هَذَا البَيْتِ بِمَعْنَى: يَصِيحُ. فَيَجُوزُ عَلَى قَوْلِهِ أَنْ يَكُونَ "عَلَى" مُتَعَلِّقَةٌ بِـ "يَصْدَعُ"، كَأَنَّهُ قَالَ: وَيَصْدَعُ عَلَى القِدَاحِ، كَقَوْلِهِ: يَصِيحُ عَلَيْهَا. فَتَقَدَّمَ الجَارُّ هُنَا عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ كَتَقَدُّمِ الظَّرْفِ فِي قَوْلِ طَرَفَة: (طويل)

تَلَاقَى وَأَحْيَانًا تَبِينُ كَأَنَّهَا … بَنَائِقٌ غَرٌّ فِي قَمِيصٍ مُقَدَّدِ (٤)


= الخصائص: ٢/ ٣١٢؛ الخزانة: ١٠/ ١١٣؛ الاقتضاب: ٢/ ٢٨٨؛ اللسان (دلل).
(١) أدب الكتّاب: ٥١٧: "عنف عليه وبه".
(٢) أدب الكتّاب: ٥١٧: "خرق عليه وبه".
(٣) ديوان الهذليين: ١/ ٦؛ شرح الجواليقي: ١/ ٢٧؛ ضرائر الشعر: ٢٣٣؛ شرح الحماسة للمرزوقي: ٤/ ١٥٩٤؛ المخصص ١٣/ ٢١؛ أمالي ابن الشجري: ٢/ ٢٦٩.
(٤) ديوانه: ٢٦؛ جمهرة أشعار العرب: ١/ ٤٢٩؛ المعاني الكبير: ٥٦؛ مختار الشعر الجاهلي: ١/ ٣١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>