أما البحث عن مسألة العضو المقطوع في السرقة أو الحرابة، فلا يتعلق بالواقع العملي، فالمناسب أن لا نخوض فيها قبل وقوعها، وكان السلف يكرهون الخوض في مسائل لم تقع بعد، ويقولون:(لا تعجلوا بالبلاء قبل نزوله) .
ولذلك، فلا أرى البحث في هذه المسألة حتى نشاهدها تقع عيانا، ولكني أريد أن أذكر الأصل الذي تبتنى عليه المسألة لو فرضنا أنها وقعت، ليكون مساعدا في استخراج الحكم حينئذ وذلك أن المسألة لها منزعان:
المنزع الأول: أن نقيس الحد على القصاص، فنقول: قد ثبت بما أسلفنا في مبحث القصاص أن المختار عند جمهور الفقهاء أن القصاص ينتهي حكمه بإبانة العضو، وليس من جملة القصاص أن يبقى العضو فائتا إلى الأبد، فكذلك الحد، إذا أقيم مرة بإبانة اليد أو الرجل، انتهت وظيفة الحد، وليس المقصود تفويت اليد أو منفعتها على سبيل الدوام، ولذلك يجوز للسارق والمحارب أن يستعمل يدا أو رجلا مصنوعة. فلا مانع من أن يزرع يده المقطوعة.
والمنزع الثاني: أن بين الحد والقصاص فرقا، وهو أن المقصود من القصاص أن يصيب الجاني ضرر مماثل لضرر المجني عليه، وذلك يحصل بإبانة عضوه، فإن الجناية الصادرة من الجاني لم تتجاوز أن تقطع عضوا، ولم تكن مانعة من إعادته إلى محله إذا اختار المجني عليه ذلك. فكذلك استيفاء القصاص يحصل بمجرد الإبانة، ولا يمنع ذلك أن يعيد الجاني عضوه إلى محله. بخلاف إبانة العضو في الحد، فإنه ليس مقابلا لضرر مماثل، وإنما هو مقدر من الله تعالى عقوبة ابتدائية، وحيث قد فرض الله سبحانه وتعالى قطع اليد أو الرجل فليس المقصود منه فعل الإبانة، وإنما المقصود إبانته لتفويت منفعته على الجاني، ولو أجزنا