النفش: هو الرعي بالليل. وروى ابن جرير في تفسيره عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن الحرث المذكور كان كرما قد أنبت عناقيده، فأفسدته الغنم. فقضى داود عليه السلام بالغنم لصاحب الكرم، يعني قضى بتمليكه الغنم تعويضا عما أتلفه له، ونقل القرطبي في تفسيره أن سيدنا داود عليه السلام رأى قيمة الغنم تقارب قيمة الغلة التي أفسدت، وذهب سليمان عليه السلام إلى رأي آخر، فقال: يدفع الكرم إلى صاحب الغنم، فيقوم عليه حتى يعود كما كان، وتدفع الغنم إلى صاحب الكرم فيصيب منها.
وقد أشارت الآية الكريمة إلى أنه قد اختلف نظر كل من داود وسليمان عليهما السلام في وجه الحكم في هذه القضية، دون أن يذكر القرآن الكريم تفصيل حكمهما، وقد صرح باستحسان رأي سليمان عليه السلام.
ويستفاد من التفاسير أن المقصود في رأي كل من داود وسليمان عليهما السلام هو تضمين الذي أضر بالكرم بما يقع به التعادل بين الضرر والعوض، ثم اختلفت أنظارهما في صورة هذا التعادل، ومع قطع النظر عن خصوص صورة التعادل، فإن القصة التي ذكرتها الآية الكريمة تنبئ عن مبدأ عام، وهو أن الذي يحدث ضررا بنفس الآخر أو بماله، فإنه يضمن له ذلك الضرر.
وأما السنة النبوية، على صاحبها السلام، فإن أصرح ما ورد في هذا المعنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:((لا ضرر ولا ضرار)) (١)
(١) . أخرجه ابن ماجه في كتاب الأحكام (رقم ٢٣٤٠) ؛وأحمد في مسنده:٥/٣٢٧؛وأخرجه مالك في موطئه مرسلا في الأقضية باب القضاء في المرفق:٢/١١٢,مع تنوير الحوالك وقال البوصيري في الزوائد:٣ /٤٨,إسناد رجاله ثقات، إلا أنه منقطع لأن إسحاق بن الوليد قال الترمذي وابن عدي: لم يدرك عبادة بن الصامت-اهـ، ونحوه في مجمع الزوائد٤/٢٠٥، ولكن للحديث طرقا أخرى سوى ما تقدم كما في المقاصد الحسنة للسخاوي: ٤٦٨ (رقم:١٣١٠)