للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

غَفَّارًا (١٠) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (١١) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [نوح: ١٠ - ١٢]، وهَذِهِ رحمةٌ منَ اللهِ عَزَّ وَجلَّ نتيجة الاستغفار.

إِذَنْ: فالاستغفارُ سببٌ لاندفاعِ النِّقَمَ وجلبِ النعمِ، والاستغفار هُوَ طلب المغفرة. والمغفرة سَتْر للذنبِ مَعَ التجاوزِ، وطبعًا طالب المغفرةِ يَستلزم طَلَبُه للمغفرةِ إذا كَانَ حقيقة أنْ يُقْلِعَ عنِ الذنبِ؛ لِأَنَّهُ كيف يَقُول: أستغفرُ اللهَ من الربا وَهُوَ يقع فِي الربا، لا يَصلُح هَذَا، فطالب الشَّيْء لَا بُدَّ أن يسعى بأَسْبابِهِ، إذا قلت: اللهمَّ ارْزُقْنِي ولذا صالحًا وقلت: لن أتزوجَ، إذا كَانَ الله مقدِّرًا لي ولدًا صالحًا سيأتي، فهذا لا يصلح، فلا ينفع أن تستغفرَ اللهَ وأنتْ لم تفعلْ أَسْبابَ المغفرةِ، فلا بدَّ من فعل أَسْبابِ المغفرةِ بالإقلاع عن المعصيةِ ثُمَّ طلب أن يغفر الله لك.

وإذا كَانَ الاستغفارُ سببًا لجلبِ الرَّحْمَةِ فَإِنَّهُ من أَسْبابِ الفتحِ عَلَى المرء بالعلمِ؛ أن اللهَ يَفْتَح عليه عِلمًا لم يكنْ يَعْلَمُه من قبلُ، يَقُول الله عَزَّ وَجلَّ: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (١٠٥) وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النِّسَاء: ١٠٥ - ١٠٦]، وَكَانَ بعضُ أهلِ العلمِ إذا سئل عن مسألةٍ قدَّم بين يديْ إجابتِه الاستغفارَ، فقال: أستغفرُ اللهَ، أستغفرُ الله، حَتَّى يُفْتَحَ له، وهَذَا ظاهر؛ لِأَنَّ الذنوبَ تَحُولُ بين المرء وبين العلمِ، وبين المرءِ وبين الفَهْمِ، فإذا غُفِرَت زال هَذَا الحجابُ، قَالَ الله تَعَالَى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} [المائدة: ١٣]، الأوَّل باختيارهم وَهُوَ التحريف، والثاني بغير اختيارِهِم، وَهُوَ النِّسيانُ.

فالمَعاصِي سببٌ للحِرمانِ من العلمِ والفهمِ، والاستغفار رفع للمعاصي

<<  <   >  >>