للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن العربي: (سألت الإمام القاضي الطوسي عن المسألة فقال: لا يجوز وطء المرأة في دبرها بحال؛ لأن الله تعالى حرّم الفرج حال الحيض لأجل النجاسة العارضة، فأوْلى أن يحرم الدبر بالنجاسة اللازمة) (١).

إذا تقرر ذلك: كان مدلول (أنّى) تعميمَ الأحوال، دون المحالِّ ويكون المراد من الآية، إباحة الإتيان من حيث شاء المكلف من وجوه المأتى، لا تعميم المحال بحيث يباح غير موضع الحرث.

قال أبو جعفر الطبري بعد أن أورد الآثار وجنح إلى التحريم: (وإذا كان ذلك هو الصحيح فبيّنٌ خطأ قول من زعم أن قوله: ﴿فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ دليل على إباحة إتيان النساء في الأدبار؛ لأن الدبر لا محترث فيه، وإنما قال تعالى ذكره: ﴿حَرْثٌ لَكُمْ﴾ فأتوا الحرث من أي وجوهه شئتم، وأي محترث في الدبر فيقال: ائته من وجهه؟).

وهكذا يستبين البُعد عن الصواب، في طريق من جنح إلى القول بإباحة إتيان النساء في الموضع الذي لا محترث فيه؛ لأنه لا محترث في الدبر حتى يكون الإتيان فيه مباحًا، كما تتبين صحة ما ورد من الآثار الصحيحة في سبب نزول الآية، وعلاقته بما كانت تقوله اليهود حول هذا الأمر: فقد روى البخاري ومسلم عن جابر: "كانت اليهود يقولون: إذا جامع الرجل أهله من ورائها جاء الولد أحول" فنزلت - فذكر الآية - وفي رواية لمسلم: "كانت اليهود تقول: مَن أتى امرأته في قبُلها من دُبرها كان الولد أحول" فنزلت ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ (٢) [البقرة: ٢٢٣].


(١) "أحكام القرآن" (١/ ١٧٤). وابن العربي هو القاضي محمد بن عبد الله الإشبيلي المالكي أبو بكر، من حفّاظ الحديث، وممن بلغوا رتبة الاجتهاد، على براعة في التفسير واللغة والأدب. نُقل عن ابن بشكوال قوله فيه: ختام علماء الأندلس وآخر أئمتها وحفّاظها. من كتبه: "أحكام القرآن"، "عارضة الأحوذي في شرح الترمذي"، "القبس في شرح الموطأ"، "الإنصاف في مسائل الخلاف"، "المحصول" في أصول الفقه، "العواصم من القواصم". توفي سنة ٥٤٣ هـ.
(٢) راجع: "تفسير الطبري" (٤/ ٤١٦)، "سنن البيهقي" (٧/ ١٩٤ - ١٩٥). وراجع: "أحكام القرآن" للجصاص (١/ ٤١٥ - ٤١٧)، "منتقى الأخبار" مع "نيل الأوطار" =

<<  <  ج: ص:  >  >>