للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن المنذر: (لم يروَ عن أحد من الصحابة والتابعين أو علماء الأمصار، أن الجنين لا يؤكل إلا باستئناف الذكاة فيه، غير ما روي عن أبي حنيفة. قال: ولا أحسب أصحابه وافقوه عليه) (١).

وقد أخرج ابن حزم في "المحلَّى" عن ابن عباس: (أنه أشار إلى جنين ناقة وأخذ بذنبه وقال: هذا من بهيمة الأنعام).

كما أخرج عن أبي الزبير عن جابر: (نحرُ جنين الناقة نحرُ أمه). وعن إبراهيم عن ابن مسعود: (ذكاة الجنين ذكاة أمه).

قال ابن حزم: (وهو قول إبراهيم والشعبي، والقاسم بن محمد، وطاوس، وأبي ظبيان وأبي إسحاق السَّبِيْعي، والحسن، وسعيد بن المسيب، ونافع، وعكرمة، ومجاهد، وعطاء، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وابن أبي ليلى والزهري) (٢).

هذا: وإذا ثبت ما ذكره صاحب "نيل الأوطار" من أن الحديث روي بلفظ: "ذكاة الجنين في ذكاة أمه" أي كائنة أو حاصلة في ذكاة أمه. وأنه روي بلفظ: "ذكاة الجنين بذكاة أمه"، والباء للسببية، فيكون المعنى أن الجنين حكم عليه بالحل تذكيةً بسبب ذكاة أمه (٣).

نقول: إذا ثبت ذلك، كان الحديث من النصوص الصريحة المفسَّرة التي لا تحتاج إلى تأويل، ولا يدخل لفظها في دائرة الاحتمال لمعنًى لا بد من دليل عليه كي يترجح على الظاهر.

وهكذا تكون روايات الحديث، التي تحتمل التأويل، لم يظفر لها القائلون بحرمة الجنين - يخرج من بطن أُمه المذكاة ميتًا - بدليل قوي يصرف الظاهر من الحديث - وهو حل هذا الجنين - إلى غير الظاهر، من جَعْلِ المراد من الجنين في الحديث: الجنين الحي. وإذا لم يستوفِ التأويل


(١) "معالم السنن" للخطابي (٤/ ٢٨٢).
(٢) "المحلى" (٧/ ٤١٩ - ٤٢٠).
(٣) انظر: "نيل الأوطار" للشوكاني (٨/ ١٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>