للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي ليلة الأحد، تاسع عشر الشهر، كانت زفة الغمرة، وهي عبارة عن اجتماع كثير من الفقهاء، والتجار وغيرهم، يمشون أمام العروس، ولم يحضر الفقهاء، ولا كثير من الفقهاء لأجل أن الزفة بالمغاني (١)، وراءه جمع كثير من النساء، وفي جانبي الرجال المفرعات والشموع المذهبة وغيرها، وحوالي العريس كثير من الشموع المذكورة وأمام الناس، وخلفهم المشاعل وأمامهم أيضا النفاط (٢)، وكان اجتماع الناس لذلك عند سبيل كاتب السر ابن مزهر بالمروة، وشق بها المسعى، ثم إلى باب الصفا، ثم إلى البيت المذكور ودخل العريس والنساء إلى داخل الفازة عند النساء التي من جهة العروس وذلك على العادة.

وفي صباحية هذه الليلة، نصت (٣) العروس على الزوج وأمها وأقربائها فالصق والدها خمسين دينارا، والزوج كذلك، وكذا أبوه، وخالها الزيني


(١) يبدو أن عدم حضور الفقهاء هنا يعود إلى أن الاستماع إلى الأغاني حرام ومنكر مع أنهم حضروا مثل هذه الحفلات في أماكن أخرى ولعل من أسبابه مرض القلوب وقسوتها وصدها عن ذكر الله وعن الصلاة وقد فسر أكثر أهل العلم قوله تعالى ﴿"وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ "﴾ سورة لقمان الآية (٦) بالغناء، وكان عبد الله بن مسعود يقسم على أن لهو الحديث هو: الغناء وإذا كان مع الغناء آلة لهو كالربابة والعود والكمان والطبل صار التحريم أشد. عبد العزيز بن عبد الله بن باز: مجموع الفتاوي ٣/ ٤٢٣ - ٤/ ١٤٧.
(٢) النفاط: النفطي وهو البارودي الذي صناعته حمل الاحراقات وعقوب الضوء. والنفاطات أدوات تعمل من النحاس يرمى فيها بالنفط والنار. ابن منظور: لسان العرب ٧/ ٤١٦. الجزيري: درر الفرائد المنظمة، ص ١٦٥.
(٣) النصة: تعنى رفع العريس لعروسه على المنصة أو العكس، وتزف العروس بالغناء المناسب مع الضرب على الطبول إلى أن توصلها المغنية إلى الكرسي المعد لجلوسها عليه. محمد عمر رفيع: مكة في القرن الرابع عشر الهجري ص ٨٨ - ٨٩. سنوك هور خرونيه: صفحات من تاريخ مكة ٢/ ٤٦٠.