ثم قال ابن العربي: صحبت ابن حزم سبعة أعوام وسمعت منه جميع مصنفاته سوى المجلد الأخير من كتاب الفصل وقرأنا عليه من كتاب الإيصال سبع مجلدات في سنة ست وخمسين وهو أربعة وعشرون مجلدًا. قال أبو مروان بن حيان: كان ابن حزم حامل فنون, من حديث وفقه وجدل ونسب وما يتعلق بأذيال الأدب مع المشاركة في أنواع التعاليم القديمة, من المنطق والفلسفة, وله كتب كثيرة لم يخل فيها من غلط لجرأته في التسور على الفنون لا سيما المنطق, فإنهم زعموا أنه زل هنالك وضل في سلوك المسالك وخالف أرسطو واضعه مخالفة من لم يفهم غرضه, ولا ارتاض ومال أولًا في النظر إلى الشافعي، وناضل عنه حتى وسم به فاستهدف بذلك لكثير من الفقهاء وعيب بالشذوذ، ثم عدل إلى الظاهر فنقحه وجادل عنه ولم يكن يلطف صدعه بما عنده بتعريض ولا بتدريج، بل يصك به معارضه صك الجندل، وينشقه إنشاق الخردل، فينفر عنه القلوب، ويقع به الندوب، حتى استهدف إلى فقهاء وقته فتمالئوا عليه وأجمعوا على تضليله, وشنعوا عليه وحذروا سلاطينهم من فتنه، ونهوا عوامهم عن الدنو منه فطفق الملوك يقصونه ويسيرونه عن بلادهم إلى أن انتهوا به منقطع أثره وهي بلدة من بادية لبلة وهو في ذلك غير مرتدع ولا راجع, يبث علمه لمن ينتابه من بادية بلده من أصاغر الطلبة الذين لا يخشون فيه الملامة, يسمعهم ويفقههم ويدارسهم.
كمل من مصنفاته وقر بعير لم يجاوز أكثرها عتبة باديته لزهد الفقهاء فيها حتى لأحرق بعضها بإشبيلية ومزقت علانية وأكثر معايبه زعموا عند المنصف له جهله بسياسة العلم التي هي أعوص إيعابه وتخلفه عن ذلك على قوة سبحه في غماره، وعلى ذلك فلم يكن بالسليم من اضطراب رائه ومغيب شاهد علمه عنه عند لقائه إلى أن يحرك بالسؤال فيفجر منه بحر علم لا تكدره الدلاء.
قلت: هذا القائل منصف فأين كلامه من كلام أبي بكر بن العربي وهضمه لمعارف ابن حزم؟ وقال ابن حيان: وكان مما يزيد في شنآنه تشيعه لأمراء بني أمية ماضيهم وباقيهم واعتقاده بصحة إمامتهم حتى نسب إلى النصب, إلى أن قال: ومن تواليفه كتاب الصادع في الرد على من قال بالتقليد، وكتاب شرح أحاديث الموطأ، وكتاب الجامع في صحيح الحديث باختصار الأسانيد، وكتاب التلخيص والتخليص في المسائل النظرية، وكتاب منتقى الإجماع، وكتاب كشف الالتباس لما بين الظاهرية وأصحاب القياس.
قلت: وله السيرة النبوية في مجلد، وتصانيفه كثيرة فمنها أنه قال: صنفت كتابًا فيما خالف فيه أبو حنيفة ومالك والشافعي جمهور العلماء وما انفرد به كل واحد، ولم يسبق إلى ما قاله. ذكر اسم هذا الكتاب هو في أثناء الفرائض من المحلى، ولا ريب أن الأئمة الكبار