الأحرار رضي الله عنه للشيخ عبد الباقي رحمه الله تعالى وقال: إن تاج الدين يأكل من مطبخنا
ويشكر غيرنا فأخرجناه من النسبة، فقال الشيخ عبد الباقي رحمه الله تعالى: اعف عنه هذه المرة
حتى أخبره، فكتب إليه هذه الواقعة، فترك كل ما كان غير هذه السلسلة وحصر التربية والتلقين فيها،
فلما توفي الشيخ عبد الباقي رحمه الله تعالى اغتم بموته وحزن عليه حزناً شديداً وأخذ في السياحة،
فسافر إلى بلاد الهند والعراق والعرب حتى ألقى عصا التسيار بمكة المحترمة وسكن بها، وأخذ عنه
خلق كثير من العلماء والمشايخ.
قال ابن فضل الله المحبي في خلاصة الأثر: إنه كان شيخ الطريقة النقشبندية ورابطة الإرشاد إلى
المنازل للسالكين في السلوك، وواسطة الإمداد للمواهب الرحمانية من ملك الملوك، وشيخاً كبيراً مهاباً
حسن التربية والدلالة على الوصول إلى الله تعالى، صحبه خلق كثير من المريدين، وممن صحبه
ولازمه الأستاذ أحمد أبو الوفاء العجل العجيل، وولد أحمد المذكور والشيخ محمد مرزا ابن محمد
المعروف السروجي الدمشقي والأمير يحيى بن علي باشا وغيرهم، وألف كتباً، منها تعريب النفحات
للعارف عبد الرحمن الجامي، وتعريب الرشحات، ورسالة في طريق السادة النقشبندية جمع فيها
الكلمات القدسية المأثورة المروية عن حضرة الخواجه عبد الخالق الغجدواني المبني عليها الطريق،
وشرحها بأحسن بيان، والصراط المستقيم والنفحات الإلهية في موعظة النفس الزكية، وجامع الفوائد،
وقد أفرد ترجمته تلميذه السيد محمود بن أشرف الحسيني في رسالة سماها تحفة السالكين في ذكر تاج
العارفين انتهى، وقد نقل المحبي عن الرسالة المذكورة أشياء من كشوفه وكراماته لا نطيل الكلام
بذكرها.
وقال الشيخ أحمد النخلي المكي في بعض رسائله: وهذا الشيخ تاج - رحمه الله ونفعنا به في الدنيا
والآخرة! كان ولياً لله عارفاً به، أقام بمكة المشرفة على حلول ألف وأربعين من الهجرة مدة مديدة،
ومات بها - انتهى ما نقله الشيخ ولي الله الدهلوي عن شيخه أبي طاهر بن إبراهيم الكردي المديني.
وقد أخذ عنه غير من ذكر الشيخ عبد الباقي بن زين المزجاجي الزبيدي، والشيخ عبد الله بن شيخ
بن عبد الله بن عبد الرحمن الحضرمي العيدروس، والشيخ محمد علان المكي - بتشديد اللام -
والشيخ إبراهيم بن حسن الحنفي الاحسائي، والشيخ أبو بكر بن سعيد بن أبي بكر الحضرمي،
والشيخ عبيد الله ابن محمد باقي الدهلوي، والسيد محمود بن أشرف الحسيني الأمروهوي وخلق
آخرون، ومن مصنفاته غير ما ذكر رسالة في أنواع الأطعمة وكيفية طبخها، ورسالة في كيفية غرس
الأشجار، وأخرى في أنواع الطب، ذكرها محمود بن أشرف الحسيني الأمروهوي في تحفة السالكين.
ومن ألفاظه القدسية:
ومن ألفاظه القدسية ما قال في مفتتح رسالته في سلوك الطريقة النقشبندية: اعلم وفقك الله أن معتقد
السادة النقشبندية قدس الله أسرارهم هو معتقد أهل السنة والجماعة، وطريقهم دوام العبودية التي لا
تتصور بغير أداء العبادة، وهي عبارة عن دوام الحضور مع الحق سبحانه شعوراً بالغير مع الذهول
عن صفة الحضور بوجود الحق سبحانه، ولا يحصل هذه السعادة العظيمة بغير تصرف الجذبة
الإلهية، ولا سبب في طريقة الجذبة أقوى من صحبة الشيخ الذي سلوكه بطريق الجذبة، قال الشيخ
أبو علي الدقاق قدس سره: الشجرة التي تنبت بنفسها لا ثمر لها، وإن كان لها ثمر يكون بغير لذة،
وسنة الله تعالى جارية على أنه لا بد من السبب، فكما أن التوالد والتناسل الصوري لا يحصل بغير
الوالد والوالدة كذلك التوالد المعنوي حصوله بغير المرشد متعذر، قال في الرسالة المكية: من لا شيخ
له فالشيطان شيخه، انتهى.
توفي قبل غروب يوم الأربعاء الثامن عشر من جمادي الأولى سنة خمسين وألف، ودفن صبح يوم
الخميس في تربة أعدها له في حياته في سفح جبل قعيقعان، وضريحه ظاهر للزيارة، قعيقعان
كزعيفران جبل بمكة وجهه إلى أبي قبيس، لأن جرهم كانت تضع فيه أسلحاتها فتقعقع فيه، أو لأنهم
تحاربوا فقعقعوا بالسلاح، كما في خلاصة الأثر.