قال ابن حجر في (نكته على كتاب ابن الصلاح): ((قد وجد في منقولات كثيرة الصحابة من النساء والرجال كانوا يحضرون أولادهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم يتبركون بذلك، لكن هل يلزم من ثبوت الرؤية له الموجبة لبلوغه شريف الرتبة بدخوله في حدِّ الصحبة، أن يكون ما يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعدُّ مرسلًا؟
هذا محل نظر وتأمل، والحقُّ الذي جزم به أبو حاتم الرازي وغيره من الأئمة أنَّ مرسله كمرسل غيره، وأنَّ قولهم: (مراسيل الصحابة رضي الله عنهم مقبولة بالاتفاق إلَّا عند بعض من شذَّ)، إنما يعنون بذلك من أمكنه التحمل والسماع، أما من لا يمكنه ذلك فحكم حديثه حكم غيره من المخضرمين الذين لم يسمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم. والله أعلم)) (النكت ٢/ ٥٤١).
وقال في (الفتح) بعد أن جزم بصحبة هؤلاء الصغار: ((ومع ذلك فأحاديث هذا الضرب مراسيل، والخلاف الجاري بين الجمهور وبين أبي إسحاق الاسفرايني ومن وافقه على ردِّ المراسيل مطلقًا حتى مراسيل الصحابة لا يجري في أحاديث هؤلاء؛ لأنَّ أحاديثهم لا من قبيل مراسيل كبار التابعين ولا من قبيل مراسيل الصحابة الذين سمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم وهذا مما يلغز به فيقال: صحابي حديثه مرسل لا يقبله من يقبل مراسيل الصحابة)) (فتح الباري ٧/ ٣ - ٤).
وقال في (مقدمة الإصابة): ((أحاديث هؤلاء عنه من قبيل المراسيل عند المحققين من أهل العلم بالحديث؛ ولذلك أفردتهم عن أهل القسم الأول)) (الإصابة ١/ ١٢ - ١٣)(١).
(١) وما أحسن قول صاحب الألفية الحديثية المسماة (لغة المحدث الكبرى): [ومن رآه دون تمييز فله ... قدر ومروياته مرسله]. أي: وممن له قدر من الصحبة الصبيان الذين مات النبي صلى الله عليه وسلم وهم صغار دون سن التمييز، ولكن روايتهم عن النبي صلى الله عليه وسلم من قبيل المرسل؛ لأنهم لم يسمعوا منه، وإنما سمعوا من الصحابة والتابعين. ولا تعامل معاملة مراسيل الصحابة الذين سمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم إنما تعامل معاملة مراسيل كبار التابعين، والله أعلم. وانظر (شرح الألفية ص ٤٧٣).