شيء يسير وستأتي بقية الكلام في ذلك وفي آخر الفتاوى الخيرية ولا شك أن معرفة راجح المختلف فيه من مرجوحه ومراتبه قوة وضعفا هو نهاية آمال المشمرين في تحصيل العلم فالمفروض على المفتى والقاضى التثبت في الجواب وعدم المجازفة فيهما خوفا من الافتراء على الله تعالى بتحريم حلال وضده ويحرم اتباع الهوى والتشهى والميل إلى المال الذى هو الداهية الكبرى والمصيبة العظمى فإن ذلك أمر عظيم لا يتجاسر عليه الأكل جاهل شقى انتهى (قلت) فحيث علمت وجوب اتباع الراجح من الأقوال وحال المرجح له تعلم أنه لائقة بما يفتى به أكثر أهل زماننا بمجرد مراجعة كتاب من الكتب المتأخرة خصوصا غير المحررة كشرح النقاية للقهستانى والدر المختار والاشباه والنظائر ونحوها فإنها لشدة الاختصار والايجاز كادت تلحق بالالغاز مع ما اشتملت عليه من السقط في النقل في مواضع كثيرة وترجيح ما هو خلاف الراجح بل ترجيح ما هو مذهب الغير مما لم يقل به أحد من أهل المذهب ورأيت في اوائل شرح الأشباه للعلامة محمد هبة الله قال ومن الكتب الغريبة منلا مسكين شرح الكنز والقهستاني لعدم الاطلاع على حال مؤلفيهما أو لنقل الأقوال الضعيفة كصاحب القنية أو الاختصار كالدر المختار للحصكفى والنهر والعينى شرح الكنز قال شيخنا صالح الجينينى أنه لا يجوز الافتاء من هذه الكتب إلا إذا علم المنقول عنه والاطلاع على مآخذها هكذا سمعته منه وهو علامة في الفقه مشهور والعهدة عليه انتهى (قلت) وقد يتفق نقل قول في نحو عشرين كتابا من كتب المتأخرين ويكون القول خطأ اخطأ به أول واضع له فيأتي من بعده وينقله عنه وهكذا ينقل بعضهم عن بعض كما وقع ذلك في بعض مسائل ما يصح تعليقه وما لا يصح كما نبه على ذلك العلامة ابن نجيم في البحر الرائق (ومن) ذلك مسئلة الاستئجار على تلاوة القرآن المجردة فقد وقع لصاحب السراج الوهاج والجوهرة شرح القدورى أنه قال ان المفتى به صحة الاستئجار وقد انقلب عليه الامر فإن المفتى به صحة الاستئجار على تعليم القرآن لا على تلاوته ثم أن أكثر المصنفين الذين جاؤا بعده تابعوه على ذلك ونقلوه وهو خطأ صريح بل كثير منهم قالوا أن الفتوى على صحة الاستئجار على الطاعات ويطلقون العبارة ويقولون أنه مذهب المتأخرين وبعضهم يفرع على ذلك صحة الاستئجار على الحج وهذا كله خطأ اصرح من الخطأ الأول فقد اتفقت النقول عن ائمتنا الثلاثة أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد أن الاستئجار على الطاعات باطل لكن جاء من بعدهم من المجتهدين الذين هم أهل التخريج والترجيح فافتوا بصحته على تعليم القرآن للضرورة فإنه كان للمعلمين عطايا من بيت المال وانقطعت فلو لم يصح الاستئجار