فنسي اي نساه الشيطان * والعزم التصميم والمضى على ترك الاكل وان يتصلب في ذلك تصلبا يوئس الشيطان من التسويل له انتهى * وتابعه القاضي البيضاوي في تقرير الاحتمالين. لكن يؤيد الاحتمال الاول ويقويه القرأة الثانية فح يتأيد ما قلنا فتأمل (ومن) ذلك قوله تعالى ﴿عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ﴾ فان طاهره ايضا موهم وليس بمراد بل هو استفسار عن العلة وقدم قوله عفا الله عنك لئلا يوهم التوبيخ * كما قال العارف الربانى سيدى عبد الوهاب الشعراني في كتابه الجواهر والدرر نقلا عن الشيخ الأكبر قدس سره فانه قال فيه قلت لشيخنا يعنى الشيخ على الخواص رضى الله تعالى عنه رايت فى كلام الشيخ محيى الدين رحمه الله تعالى في قوله تعالى عفا الله عنك لم اذنت لهم كلاما حسنا فقال اذكره فقلت له قال انما قدم الله تعالى العفو ليعلمنا ان قوله تعالى لم اذنت لهم سؤال عن العلة لا سؤال توبيح فان العفو والتوبيخ لا يجتمعان فمن وبخ فما عفا مطلقا اذ التوبيخ مؤاخذة بلاشك فما قدم تعالى العفو وجاء به ابتداء الا ليزيل ما فى الاوهام من ان المراد به التوبيخ كما فهمه بعض من لا علم عنده بحقائق الخطاب وقوله تعالى ﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا﴾ فاما ان يقول عند ذلك نعم او يقول لا انتهى فما تقول في هذا الكلام فقال رضى الله تعالى عنه كلام فى غاية التحقيق فاعلم ذلك انتهى (ومن ذلك) قوله تعالى ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا﴾ قال القاضى فى تفسير هذه الاية ان المراد بهمه ميل الطبع ومنازعة الشهوة لا القصد الاختيارى وذلك مما لا يدخل تحت التكليف بل الحقيق بالمدح والاجر الجزيل لمن يكف نفسه عن الفعل عند قيام هذا الهم او مشارفة الهم كقولك قتلته لو لم اخف الله انتهى * لكن يؤيد الاحتمال الاول ما ورد عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما ان يوسف الصديق ﵊ لما قال ذلك ليعلم انى لم اخنه بالغيب قال له جبريل ﵊ ولا حين هممت فقال ان النفس لامارة بالسوء اى من حيث انها بالطبع مائلة إلى الشهوات ذكره القاضى ايضا فعلم ان ذلك الهم ليس بمعصية وأنه ﵊ مبرء منها لوصفه له تعالى بالاخلاص في قوله تعالى (انه من عبادنا المخلصين ولو كان ذلك الهم معصية لحصلت المنافات ولما كان من المخلصين لان المذنب قد اغواه الشيطان والمخلص ليس كذلك لقوله تعالى حكاية عن ابليس ﴿وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٣٩) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾ واللازم منتف بالاجماع * فظهر مما ذكرنا أن الأنبياء كلهم عليهم الصلاة والسلام لم تقع منهم معصية قط لا قبل النبوة ولا بعدها وان ساحتهم منزهة عنها كيف ولو صدر منهم ذلك للزم استحقاقهم العذاب واللعن واللوم والدم لدخولهم تحت قوله تعالى ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ