كذلك فلا وجه للقول بعدم قبول توبة من سب الشيخين بالطريق الأولى بل لم يثبت ذلك عن أحد من الأئمة فيما أعلم انتهى كلامه * ولا يخفى أن هذا ليس من البحث المعارض للمنقول حتى يقال أنه غير مقبول بل هو من معارضة المنقول على فرض ثبوته بالمنقول الثابت عن أصحاب المذهب بالدلالة الأولوية كدلالة حرمة التأفيف على حرمة الضرب * على أنك قد علمت مما قررناه في هذا الباب أن الساب إذا كان رافضيا اعتقد شبهة مسوغة في اعتقاده للسب لم يحكم بكفره فضلا عن عدم قبول توبته إلا إذا كان يعتقد ما يخالف دليلا قطعيا كإنكار صحبة الصديق وقذف الصديقة ونحو ذلك فيكفر بذلك لا بالسب أو لم يكن معتقدا شبهة لكنه استحل السب فح يكفر لاستحلاله المحرم قطعا بلا شبهة أما لو سب بدون ذلك كله لم يخرج عن الإسلام كما علمته مما نقلناه عن كتب المذهب متونا وشروحا وغيرها نعم للإمام تأديبه وتعزيره بما يراه مناسبا في حقه ولعل من قال أنه يقتل أراد به قتله سياسة لا كفرا.
(والحاصل) أن الحكم بالكفر على ساب الشيخين أو غيرهما من الصحابة مطلقا قول ضعيف لا ينبغى الافتاء به ولا التعويل عليه لما علمته من النقول المعتبرة فإن الكفر أمر عظيم لم يتجاسر أحد من الائمة على الحكم به إلا بالأدلة الواضحة العارية عن الشبهة كما علمته مما قررناه. على أنك قد علمت مما ذكرناه في الباب الأول أنه لا يفتى بكفر مسلم أمكن حمل كلامه على محمل حسن أو كان في كفره اختلاف ولو رواية ضعيفة. وعلمت أيضًا قول صاحب البحر ولقد ألزمت نفسي أن لا أفتي بشيء منها أي من ألفاظ التكفير المذكورة في كتب الفتاوى ومنها هذه المسئلة المذكورة في الخلاصة فإن غالب هذه مخالفة لما اشتهر عن الأئمة من عدم تكفير أهل القبلة إلا ما كان الكفر فيه ظاهرا كقذف عائشة ونحوه. ولهذا صرح علماؤنا بأنه لا يفتى بما في كتب الفتاوى إذا خالف ما في المتون والشروح. وقد ذكر الإمام قاضي القضاة شمس الدين الحريرى أحد شراح الهداية في كتابه إيضاح الاستدلال على إبطال الاستبدال نقلا عن الإمام صدر الدين سليمان أن هذه الفتاوى هي اختيارات المشايخ فلا تعارض كتب المذهب قال وكذا كان يقول غيره من مشايخنا وبه أقول أيضًا انتهى فقد ثبت أن الأحوط عدم التكفير في مسئلتنا اتباعا لما في كتب المذهب فضلا عن عدم قبول التوبة فإنه إن ثبت نقله فهو نقل غريب مع أنه لم يثبت كما مر فخذ ما أتيتك به وكن من الشاكرين ولا عليك من كثرة المخالفين، واستغفر الله العظيم (هذا وقد رأيت) في هذه المسئلة رسالة لخاتمة العلماء الراسخين شيخ القراء والفقهاء والمحدثين سيدى منلا علي القاري رحمه الله تعالى مال فيها إلى ما ذكرته