للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أنزل عليه التلطف به على تزمله بثيابه لما اعتراه من الحزن من قول المشركين فأمره الله بأن يدفع ذلك عنه بقيام الليل، ثم فتر الوحي فلما رأى المَلَكَ الذي أرسل إليه بحراء تدثر من شدة وقع تلك الرؤية فأنزل عليه {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١)}.

فنداء النبي بوصف المزمل باعتبار حالته وقت ندائه وَليس المزمل معدوداً من أسماء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال السهيلي: ولم يعرف به وذهب بعض الناس إلى عدّه من أسمائه.

{وَاللَّيْلِ}: زمن الظلمة من بعد العشاء إلى الفجر.

وأمْر الرسول بقيام الليل أمْر إيجاب وهو خاص به لأن الخطاب موجه إليه وحده مثل السور التي سبقت نزولَ هذه السورة، وأما قيام الليل للمسلمين فهم اقتدوا فيه بالرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما سيأتي في قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ} إلى قوله: {وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ} [المزمل: ٢٠] الآيات ولعل حكمة هذا القيام الذي فرض على الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في صدر رسالته هو أن تزداد به سريرته زكاء يقوي استعداده لتلقي الوحي حتى لا يحرجه الوحي (١) كما ضغطه عند نزوله كما ورد في حديث البخاري:

«فغطني حتى بلغ مني الجَهد» ثم قال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: ١] الحديث، ويدل لهذه الحكمة قوله تعالى عقبه: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (٥)} [المزمل: ٥].

وقد كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتحنث في غار حراء قبيل بعثته بإلهام من الله تعالى، فالذي ألهمه ذلك قبل أن يوحي إليه يجدر بأن يأمره به بعد أن أوحى إليه فلا يبقى فترة من الزمن غير متعبد لعبادة، وهو قوله: {إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي}.

وقد استمر وجوب قيام الليل على رسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد فرض الصلوات الخمس تعظيماً


(١) ابن عاشور، التحرير والتنوير (٢٩/ ٢٥٨).

<<  <   >  >>