الخروج لملاقاه قريش:«قد آمنا بك، وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك مواثيقنا وعهودنا، على السمع والطاعة، فامض بنا يا رسول الله لما أردت. والذى بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً، إنا لصُبُرٌ في الحرب صُدُقٌ في اللقاء، لعل الله يريك ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله»(١).
دل ما سبق على أن طاعة الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واجبة، وقد فهم ذلك الأنصار، بل هي من الواجبات التى لا تخلف فيها في أدق المواقف وأصعبها، فما بال الباحث بما دون ذلك، وفي النهاية يكون استدلال وات بما اتخذه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أمر عبد الله بن أبى بن سلول - رأس المنافقين - من ترك عقابه بعد مشاركته في حديث الإفك، لا يساوى ذكره أو كتابته، ومع ذلك ننظر فيه، فإذا به لم يكن إلا سياسة حكيمة من الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لعدم تنفير الأنصار من الإسلام، وكذلك لعزل ابن أبى سياسياً، واجتماعياً، حتى إنه لم ترفع له رأس بعد ذلك، وقد وصل الأمر بهذه السياسة الحكيمة منه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أن منع ولد ابن أبى - وكان مسلماً - بعد إعلانه قتل والده للرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إن شاء، ذلك بعد أن منع الابن أباه من دخول المدينة حتى يأذن له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ وقد اتفق الصحابة على أن تلك السياسة كانت الأصح، والأولى في هذه القضية، ثم يأتى وات ليقول - فارغاً من القول عقلاً وواقعاً - بأن ذلك دليل ضعف مكانة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -! تراه - عليه أفضل الصلاة والسلام - لو أمر ابنه بقتله، أما كان ليقتله؟! فأين ضعف المكانة؟!
واستدل وات كذلك على ضعف مكانة النبي، بأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يتخذ قرار تصفية جيب بنى قريظة بعد خيانتهم في الخندق، وأوكل التحكيم فيهم لسعد بن معاذ حليفهم، وكان الأجدر بـ"وات" أن يصرح بأن مكانة سعد بن معاذ كانت أعلى من مكانة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في هذا
(١) ابن هشام، السيرة النبوية، (٢/ ١٨٩)، وانظر عبد الله النعيم، الإستشراق، (١٢٢ - ١٢٣).