للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الموقف، وفي زعامته للأوس، وانتهت مكانة المتبوع المطاع - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بارتفاع مكانة سعد بن معاذ - رضي الله عنه - التابع عليه، وانتهت النبوة والزعامة، وآل الأمر لسعد، بدلاً من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وبدلاً من ابن أبى الذى كادوا ينصبونه ملكاً عليهم، هذا خلط وعمى في البحث، وتعام عن الحق، وقصد مشوب بدليل منهار.

إن ملخص القصة، أن بعض الأوس قد طلب من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يترك لهم بنى قريظة، كرامة لهم (١)، كما ترك لابن أُبَىٍّ - زعيم الخزرج - بنى قينقاع، فترك لزعيم الأوس - وهو سعد بن معاذ - رضي الله عنه - – بني قريظة، فأين الضعف، هلا كان ضعيفاً يوم ترك بنى قينقاع لابن أُبَىٍّ؟! وكان أعلى مكانة من سعد بن معاذ في الجاهلية زعامة وأتباعاً؛ وقد ذكر وات أن سلطات النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بدأت تتسع تدريجياً، فهل تقلصت عند بنى قريظة فتركها ضعفاً لسعد بن معاذ؟! ترى لو كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هو المتخذ لقرار التصفية كان سيتعرض له أحد بقتال؟! أو أن ينضم مع بنى قريظة لقتاله؟! وهل لو اجتمعت بنو قريظة والأوس جميعاً كانوا يستطيعون قتاله؟! وهم حينئذ قد افترض أنهم كفروا بالله ورسوله؛ لقد جمع ابن أبى رجاله - وكانوا أكثر من الأوس - إلى جانب بنى قينقاع، وكانوا أشرف من قريظة عند يهود، وأشد تمرساً في القتال منهم، وكان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حديث عهد بمجيئه المدينة، في قلة من العدد والعدة، ولم نر منهم إلا الاستسلام، فأين الضعف الذى يخالفه الواقع والأحداث والأدلة؟! ذلكم وات وتلك بواعثه، وهذه أدلته على تلك البواعث.

لقد جاء في نقد وات للوثيقة – الدستور - أقوال أُخَر، لا تستحق الوقوف عندها، وقف عندها الباحث عبد الله النعيم، فنحيل القاريء إليها (٢).


(١) إن رعاية النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لهذا الجانب كان من منطلق سياسته الحكيمة، ومعالجته الإلهية للأمور التى دائماً ما يأخذنا "وات" بعيداً عنها إلهاء عن واقع النبوة وتصرفاتها، وإتصال الأرض بالسماء في شخصه المعظم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. لينسينا رسالته والوحى إليه.
(٢) له أقوال في قضية «مفهوم الأمة» الوارد في الوثيقة، انظر عبد الله النعيم، الاستشراق في السيرة (١١٧ - ١٢٠).

<<  <   >  >>