للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكجزء مما تحيكه قريش للمسلمين من أهل المدينة من مواجهات تدفعهم بها لنبذ الإسلام ورسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والضغط عليهم ليرجعوا عن نصرة المهاجرين، أو لعدم الدخول في الإسلام، كان إيذاؤهم لأهل المدينة عندما يأتون المسجد الحرام للاعتمار، وقد حدثت حادثة من هذا القبيل لسعد بن معاذ - رضي الله عنه - عندما جاء معتمراً إلى مكة، وطلب من مضيفه أمية بن خلف أن ينظر له ساعة خلوة يطوف فيها آمناً بالبيت، فأخذه أمية في منتصف النهار حين غفلة الناس، ومع ذلك لقيه أبو جهل، فأخبره به، فقال له: «تطوف بالكعبة آمناً وقد آويتم محمد وأصحابه؟ وتشاجرا؛ ومما قال له سعد: «والله لئن منعتنى أن أطوف بالبيت لأقطعن متجرك بالشام ... وهدد أمية هو الآخر بأن الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سيقتله، وقد كان أن قتله الله ببدر». (١)

بداية النشاط العسكرى والسياسى:

لم يشرع الجهاد في العهد المكى، بل جاءت الأوامر الإلهية للمسلمين بكف الأيدى، وإقامة الصلاة، والصبر على أذى المشركين، وأن يقبلوا على أنفسهم بالمجاهدة على عبادة الله تعالى، والإتصاف بأوصاف التقوى، التى هي جديرة بأن يثبتوا بعد ذلك إذا لاقوا ودخلوا في مواجهة الكفاح الدامى، وكذلك يقبلون على توسيع دائرة الدين بانتشار الإسلام بالدعوة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، كل ذلك حتى تترسخ جذور الدعوة وتقوى على مواجهة عوادى البغى والظلم، إذ لو حملت الدعوة سيفها حينئذ لهان على الكفار وأدها في مهدها والقضاء عليها وإنهاء وجودها. ولم يكن للمسلمين دار ينحازون إليها ليكون معسكراً في مواجهة قوى الشرك، بل إن حياتهم اليومية لم تكن منفصلة أو متميزة عن المشركين، ولو فرض الجهاد يومئذ لجرى قتال في كل دار أسلم منها أحد (٢).


(١) البخاري (٣٦٣٢).
(٢) د. أكرم العمرى، السيرة النبوية (٣٣٧).

<<  <   >  >>