للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وهو أن يثبت لشيء صفة مدح ويعقب بعدها بأداة استثناء تليها صفة مدح أخرى.

فهذا المنحنى في تناول الألوان البلاغية رأيناه عند المرزوقي، أما ابن جني فقد كان ينظر إلى الشعر وأساليب الشعراء فيه نظرة نحوّية إعرابية، فلهذا كان من الطبيعي أن يعالج الأمور على هذا النحو الذي رأيناه.

وإذا كانت هذه حاله في البلاغة فإنه كذلك في النقد لم يخرج عن نطاق تلك النظرة النحوّية إلى ميدان أرحب يبرز فيه جوانب الجودة والضعف في النصوص المختارة من الحماسة، وكل الذي رأيناه منه في هذا الخصوص أنه كان ينتقد الشعراء في أسلوب نحوي حين يراهم يخرجون في شعرهم عن قواعد الإعراب التي قننها النحاة. ومن أمثلة ذلك وقفته التي وقفها في بيت الحكم بن عبدل في مدح عبد الملك ابن بشر بن مروان:

فكأنما نظروا إلى قمر أو حيث علق قوسه قزح

نظر إلى تركيب (علّق قوسه قزح) فقال: (قال النحويون في الأخبار عن المضاف إليه هو على ضربين: أحدهما تحته حقيقة معنى نحو صاحب زيد وغلام بكر، والآخر مالا حقيقة معنى تحته نحو قولهم: ابن قترة، وحمار قبان، وسام أبرص، وأبو براقش، وبنات أوبر، وأبو الحصين، وأم حنين، وبنات نعش، فكل واحد من هذه الأسماء المضاف إليها لا يقصد به قصد شيء معروف، وإنما هي معارف لفظية لا معنوية) ثم وضح أن الضرب الأول يجوز الإخبار عنه فإذا أخبرت عن زيد من قولك هذا غلام زيد قلت: هذا الذي غلامه زيد. وأما الضرب الثاني فلا يجوز الأخبار عن شيء منه، ألا تراك لو أخبرت عن قبان من قولك هذا حمار قبان للزمك أن تقول: الذي هذا حماره قبان، فتومئ إلى أمر مجهول لا صحة معنى تحته، فتخبر عنه، ولا يحصل في اليد شيء منه، وإذا كان كذلك كان قوله: (حيث علق قوسه قزح) شاذًا عما انعقد عليه قانون هذا القبيل، ألا ترى أنه لا معنى

<<  <   >  >>