مقتبس كله أو بعضه من التوراه أو الأناجيل أو الآراء المسيحية، إلا فى هذه العصور المتأخرة، حينما ضعف شأن الدول الإسلامية ماديا، وقام المستشرقون - وفى أعقابهم المبشرون- بالهجوم العلمى على المسلمين، بعد إن وضعوا أيديهم على أكثر بلاد الإسلام، {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ. هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} سورة التوبة الآية ٣٢ و ٣٣.
قال الفخر الرازى فى تفسير هذه الآيات (ج ٤، ص ١٨٥ - ١٨٦ الطبعة الأولى ببولاق): "اعلم أن المراد من هذه الآية حكايته شبهة أخرى من شبهات منكرى نبوة محمد [- صلى الله عليه وسلم -]. وذلك أنهم كانوا يقولون إن محمدًا [- صلى الله عليه وسلم -] إنما يذكر هذه القصص وهذه الكلمات لأنه يستفيدها من إنسان آخر ويتعلمها منه - ثم ذكر اختلاف الروايات فى اسم هذا البشر وقال: وبالجملة فلا فائدة فى تعديد هذه الأسماء والحاصل أن القوم إتهموه بتعلم هذه الكلمات من غيره ثم إنه يظهرها من نفسه ويزعم أنه إنما عرفها بالوحى وهو كاذب فيه، ثم إنه تعالى أجاب عنه بأن قال:{لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ}. ثم قال فى تقرير أوجه الرد عليهم وتكذيبهم: "الأول: أنهم لا يؤمنون بآيات الله وهم كافرون، ومتى كان الأمر كذلك كانوا أعداء للرسول [- صلى الله عليه وسلم -]، وكلام العدى ضرب من الهذيان، ولا شهادة لمتهم. الثانى: أن أمر التعليم لا يتأتى فى جلسة واحدة، ولا يتم فى الخفية، بل التعلم إنما ينم إذا اختلف المتعلم إلى المعلم أزمنة متطاولة ومددًا متباعدة، ولو كان الأمر كذلك لاشتهر فيما بين الخلق أن محمدًا عليه السلام