وشغلت كورة السواد التي كانت تسمى "دل إيرانشهر" في الأزمنة القديمة المركز الرئيسى في منهجه الجغرافي، وقد بدأ بيانه بوصفها. وكذلك جعل اليعقوبى العراق مركزا للعالم و "صرة الأرض"، ولكنه كان يرى أن بغداد هي مركز العراق، ذلك أنها لم تكن أكبر مدينة في العالم لا يقارن بها في مجدها مدينة أخرى فحسب، بل كانت أيضًا مقر حكم بنى هاشم. وكان جو العراق معتدلا لأنه يشغل مركزا متوسطًا في العالم، وكان سكانه ظرفاء أذكياء على خلق رفيع. ولكن بغداد سلُكت في منهجه الجغرافي مع سامراء، ووصفه يبدأ بهاتين المدينتين. وقد ضرب المؤرخ والجغرافى على هذه النغمة في تفوق العراق، ورأى أن بغداد هي أحسن مدائن العالم (التنبيه والإشراف، ص ٣٤؛ انظر ابن الفقيه، ص ١٩٥ وما بعدها).
ونجد قدامة وابن رسته وابن الفقيه، على خلاف هذين الكاتبين، لا يظهران أي تحمس للعراق أو إيرانشهر. وهما في منهجهما يجعلان الصدارة لمكة والجزيرة العربية. وفي قدامة تفضل مكة بإطلاق، وتوصف جميع الطرق المؤدية إلى مكة قبل أن يتناول بالبيان الطرق الخارجة من بغداد صحيح أن قدامة يولى العراق أهمية، إلا أنه يفعل ذلك من حيث هي الولاية الكبرى لمملكة الإسلام، وبذلك يعدها مهمة، وإنما ترجع هذه الأهمية إلى الناحيتين السياسية والإدارية. ومن ثم فإننا نجد في منهجه الجغرافي نقلا للأهمية من التصور الإيرانى إلى ما نستطيع أن نسميه "المدخل الإسلامي للجغرافيا". ونلاحظ مثل هذا الميل أيضًا في ابن رسته (بداية القرن الرابع الهجرى = العاشر الميلادي) الذي ترك تمامًا السنن الإيرانية وجعل لمكة والمدينة المكان الأول في ترتيبة لمادته الجغرافية. وقد آثر في وصفه للأقاليم السبعة أن يصفها على النمط الإغريقى لا على منهج الكشورات. وكذلك يحتل وصف مكة المكان الأول في كتاببن الفقيه في الجغرافيا، ولكن قسما كبيرًا من هذا الكتاب قد انصرف إلى وصف فارس وخراسان وغيرهما، وقد وصفت الأقاليم وفقًا للمنهج القائم على الكشورات.