وثمة سمة هامة تتسم بها كتب ابن خرداذبه واليعقوبى وقدامة، وهي أن المادة فيها قد رتبت ووضعت تبعًا للاتجاهات الأربعة، أي الشرق والغرب والشمال والجنوب طبقًا لتقسيم العالم إلي أربعة أرباع. ولا شك في أن مثل هذا المنهج في الوصف نجد أصله ماثلا في بعض الروايات الإايرانية الجغرافية. ولا ريب في أن الجغرافيين العرب كان أمامهم نموذج ما ينقلون منه. ويقول المسعودى إن الفرس والأنباط قسموا المعمور من الأرض إلى أربعة أقسام: خراسان (شرقًا)، وباختْرَ (شمالا)، وخُرْبَرَان (غربًا)، ونيمروذ (جنوبًا؛ انظر التنبيه والإشراف، ص ٣١؛ اليعقوبى، ص ٢٦٨). على أن قدامة يبين أن هذا التقسيم تحكمى. وفي رأيه أن المصطلحات: شرق، وغرب، وشمال، وجنوب ليست لها إلا قيمة نسبية. أما ابن رسته وابن الفقيه فقد كان ترتيبهما يقوم على الأقاليم.
وقد وضع ابن خرداذبه- الذي يمكن أن نسميه أبا الجغرافيا- نمط الجغرافيا وأسلوبها في اللغة العربية، ولكنه لم يكن، كما بين كرامرز، مبدع هذا النمط أو هذا الأسلوب. ولا شك أنه كان بين يديه نمط أو سابقة تمثلت في كتاب متقدم عليه يتناول هذا الموضوع. وثمة احتمال كبير بأنه كان ميسورًا له كتاب فهلوى متقدم في الزمن يتناول إيران القديمة. وكتاب ابن خرداذبه لا يتناول "مملكة الإسلام" فحسب، بل يتناول أيضًا حدودها والممالك والشعوب التي تحف بها. وكان يعرف كتاب بطلميوس حق المعرفة، كما يتبين من وصفه حدود الأجزاء المعمورة من العالم ووصفه للتصور الإغريقى للقارات: أروفا، ولوبيا، وإتيوفيا، وإسقوتيا.
ويزعم أحمد بن أبي يعقوب بن واضح الكاتب اليعقوبى المتوفى سنة ٢٨٤ هـ (٨٩٧ م) أنه ارتحل كثيرًا، وينوه بأنه حصل على معلومات من سكان الأقطار التي زارها، وتثبت منها على يد أناس ممن يوثق بهم (ص ٢٣٢ - ٢٣٣). وكان غرضه من تصنيف كتابه وصف الطرق المؤدية إلى تخوم الإمبراطورية الإسلامية والأراضى