صرفًا للمطلق، أي: الكامل. فسقط استدلالُ الخوارج والمعتزلة بالآية على عدم الأَمْنِ لمرتكب الكبيرة. ويَظْهر لك من تقديرنا أنْ ليس هنا عمومٌ حتى يقال: إن الخاصَّ يقضي على العام، بل صرف للمطلق على الكامل.
فإن قلت: الإيمانُ والكفر ضدّان، فكيف يُتصوَّر الخلطُ؟ قلتُ: أراد الكفر بعد الإيمان، أو الكفر باطنًا كالمنافق، وفيه تسامحٌ لا يخفى على المخاطب.
باب: علاماتُ المنافق
علامةُ الشيء: أَمَارة وجوده. والمنافقُ من أبطَنَ الكفر وأظهر الإيمانَ.
٣٣ - (سليمان) هو أبو الربيع بن داود الزَّهْراني (آيةُ المنافق ثلاثٌ).
فإن قلتَ: المبتدأ مفردٌ والخبر متعددٌ؛ أعني لفظ: ثلاث. قلت: أراد بالعلامة الجنس فَصَحَّ الإخبار لتناول الجنس القليل والكثير. وما يقال: إن العلامة إنما تحصل بالجميع، فليس بشيءٍ. أما الأول: فلأنه مخالفٌ لترجمة الباب. وأما ثانيًا: فلأنه مخالف لغرض الشارع، لأنه بصدد التنفير عن كل واحدة. وكذا ما يقال: إن حذف المفعول من (إذا حَدَّث كَذَبَ) للعموم. أي: إذا حدَّث في كل شيءٍ، لأن "إذا" لا تدل على ذلك. ولا هو مرادُ الشارع، ولا هو صادقٌ في نفس الأمر.
(إذا حدَّث كَذَبَ، وإذا وَعَدَ أَخلَفَ، وإذا اؤتمن خان).
فإن قلتَ: المنافق شرُّ الكَفَرة، ومذهبُ أهل الحق أنَّ المؤمن لا يكفر بارتكاب الكبائر؟ قلتُ: لم يُرِدْ حقيقة المنافق، بل المشابهِ لَهُ، بدليل قوله:(من كانت فيه خصلةُ منهن كانت فيه خصلةٌ من النفاق حتى يَدَعَها).
فإن قلت: فقد قال: "أربعٌ من كن فيه كان منافقًا خالصًا"؟ قلتُ: أراد المبالغة في التشبيه، وقيل: أراد رجلًا منافقًا، وكان لا يواجه أحدًا معنيًّا بالقبح. وهذا مثل قوله: "ما