للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذكر ما أثّره مولانا السلطان ممّا عمّ نفعه

كانت بأعمال البحيرة بلاد لا يبلغها النيل، ولا يصل إليها على عموم ماله من مسيل، وتمادى تشريقها وإلى أيّامه. / ١٢٦ ب / واستمرّ عدم ريّها انتظارا لسائع لا بل سائغ إنعامه. وفاتت يحدّ بها خزائن أموال، وشون تشرح الصّدور إذا ضاقت صدورها بالغلال.

فلمّا اطّلع مولانا السلطان على تفويت مصلحتها وإهمال الملوك لتدبير ريّها لعدم رؤيتها. وإعمال الفكرة وما يتيحه صواب رؤيتها. وما هو إلاّ أن حبا الله لمولانا السلطان بحسنتها، وادّخرها لأن يستسنّ سنّتها. وللوقت تقدّم أمر مولانا السلطان بالكتابة إلى والي الأعمال بأن يجمع الخولة وأرباب الخبرة من المهندسين، وأن يركب بنفسه ويكشف من أين يسترق الماء لريّ هذه الأراضي من أسافل العمل وأعاليه. وأن يدقّق النظر (فيه) (١) ليأخذ الماء من مجاريه. وللوقت بادر هذا المتولّي إلى امتثال المراسم، وخرج بمن عيّن ليتتبّع ما هناك من المقاسم. ووردت مطالعته متضمّنة وقوع الاختيار على أن يحتفر فم (٢) من جهة يقال لها الطيريّة، وقرينه إشهاد على أرباب (الخبرة) (٣) / ١٢٧ أ / بذلك.

فبادر مولانا السلطان بنفسه وجيشه، وأمراء دولته وخاصّكيّة خدمته. وتوجّه إلى الأعمال وقد شحن البرّ والبحر بعساكره لانتهاز هذه الفرصة، وإساغة هذه الغصّة.

وكنت في خدمته كاتب درج (٤)، فرأيته منتصبا بنفسه من الشمس إلى الظّلّ، وأمراء دولته، وخاصكيّة مملكته، يعملون بالقفّة في الطّين والتّراب، مشوّهين تلك الصّور النهرية بالطّين، وإن كانوا مخلوقين منه، فتبارك الله المبدي من حسن مخلوقاته العجب العجاب. وحين رأيت تلك الأجسام


(١) كتبت فوق السطر.
(٢) الصواب: «فما».
(٣) عن الهامش.
(٤) كاتب درج: بسكون الراء - هو الذي يكتب ما يوقّعه كاتب السرّ أو كتّاب الدّست. والدرج: هو الورق المستطيل المركّب من عدّة أوصال. (صبح الأعشى ١/ ١٣٨ و ١٢/ ٤٧٧).

<<  <   >  >>