للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مِنَ الْوَاوِ، وَقَوَّاهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَاسْتَدَلَّ بِأَنَّ الْبَاءَ تَعْمَلُ فِي الضَّمِيرِ بِخِلَافِ الْوَاوِ.

الْحَدِيثُ الثَّالِثُ قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ) هُوَ الْفِرْيَابِيُّ وَسُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ، وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، وَهُوَ الْبِيكَنْدِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ وَهُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، وَلَيْسَ هُوَ الْمُرَادُ هُنَا. وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيِّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ وَهُوَ الثَّوْرِيُّ، وَأَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ وَكِيعٍ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ كِلَاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَيْضًا.

قَوْلُهُ: (كَانَتْ يَمِينُ النَّبِيِّ ﷺ) زَادَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ رِوَايَةِ وَكِيعٍ الَّتِي يَحْلِفُ عَلَيْهَا وَفِي أُخْرَى لَهُ يَحْلِفُ بِهَا.

قَوْلُهُ: (لَا وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ) تَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْقَدَرِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ بِلَفْظِ كَثِيرًا مَا كَانَ وَيَأْتِي فِي التَّوْحِيدِ مِنْ طَرِيقِهِ بِلَفْظِ أَكْثَرَ مَا كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَحْلِفُ فَذَكَرَهُ.

وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِلَفْظِ كَانَ أَكْثَرُ أَيْمَانِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لَا وَمُصَرِّفِ الْقُلُوبِ وَقَوْلُهُ: لَا نَفْيٌ لِلْكَلَامِ السَّابِقِ وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ هُوَ الْمُقْسَمُ بِهِ، وَالْمُرَادُ بِتَقْلِيبِ الْقُلُوبِ تَقْلِيبُ أَعْرَاضِهَا وَأَحْوَالِهَا لَا تَقْلِيبَ ذَاتِ الْقَلْبِ.

وَفِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ أَعْمَالَ الْقَلْبِ مِنَ الْإِرَادَاتِ وَالدَّوَاعِي وَسَائِرِ الْأَعْرَاضِ بِخَلْقِ اللَّهِ - تَعَالَى -، وَفِيهِ جَوَازُ تَسْمِيَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - بِمَا ثَبَتَ مِنْ صِفَاتِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَلِيقُ بِهِ.

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ حُجَّةٌ لِمَنْ أَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ عَلَى مَنْ حَلَفَ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ فَحَنِثَ، وَلَا نِزَاعَ فِي أَصْلِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَيِّ صِفَةٍ تَنْعَقِدُ بِهَا الْيَمِينُ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِالَّتِي لَا يُشَارِكُهُ فِيهَا غَيْرُهُ كَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ، قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ: فِي الْحَدِيثِ جَوَازُ الْحَلِفِ بِأَفْعَالِ اللَّهِ إِذَا وُصِفَ بِهَا وَلَمْ يُذْكَرِ اسْمُهُ، قَالَ: وَفَرَّقَ الْحَنَفِيَّةُ بَيْنَ الْقُدْرَةِ وَالْعِلْمِ فَقَالُوا: إِنْ حَلَفَ بِقُدْرَةِ اللَّهِ انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ، وَإِنْ حَلَفَ بِعِلْمِ اللَّهِ لَمْ تَنْعَقِدْ ; لِأَنَّ الْعِلْمَ يُعَبَّرُ بِهِ عَنِ الْمَعْلُومِ كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: ﴿قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا﴾

وَالْجَوَابُ أَنَّهُ هُنَا مَجَازٌ إِنْ سَلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمَعْلُومُ، وَالْكَلَامُ إِنَّمَا هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ. قَالَ الرَّاغِبُ: تَقْلِيبُ اللَّهِ الْقُلُوبَ وَالْأَبْصَارَ صَرْفُهَا عَنْ رَأْيٍ إِلَى رَأْيٍ، وَالتَّقَلُّبُ التَّصَرُّفُ قَالَ - تَعَالَى -: ﴿أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ﴾ قَالَ: وَسُمِّيَ قَلْبُ الْإِنْسَانِ لِكَثْرَةِ تَقَلُّبِهِ. وَيُعَبَّرُ بِالْقَلْبِ عَنِ الْمَعَانِي الَّتِي يَخْتَصُّ بِهَا مِنَ الرُّوحِ وَالْعِلْمِ وَالشُّجَاعَةِ، وَمِنْ قَوْلِهِ: ﴿وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ﴾ أَيِ الْأَرْوَاحُ، وَقَوْلُهُ: لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَيْ عِلْمٌ وَفَهْمٌ، وَقَوْلُهُ: ﴿وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ﴾ أَيْ تَثْبُتَ بِهِ شُجَاعَتُكُمْ.

وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ: الْقَلْبُ جُزْءٌ مِنَ الْبَدَنِ خَلَقَهُ اللَّهُ وَجَعَلَهُ لِلْإِنْسَانِ مَحَلَّ الْعِلْمِ وَالْكَلَامِ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الصِّفَاتِ الْبَاطِنَةِ، وَجَعَلَ ظَاهِرَ الْبَدَنِ مَحَلَّ التَّصَرُّفَاتِ الْفِعْلِيَّةِ وَالْقَوْلِيَّةِ، وَوَكَّلَ بِهَا مَلَكًا يَأْمُرُ بِالْخَيْرِ وَشَيْطَانًا يَأْمُرُ بِالشَّرِّ، فَالْعَقْلُ بِنُورِهِ يَهْدِيهِ، وَالْهَوَى بِظُلْمَتِهِ يُغْوِيهِ، وَالْقَضَاءُ وَالْقَدَرُ مُسَيْطِرٌ عَلَى الْكُلِّ، وَالْقَلْبُ يَنْقَلِبُ بَيْنَ الْخَوَاطِرِ الْحَسَنَةِ وَالسَّيِّئَةِ، وَاللَّمَّةُ مِنَ الْمَلَكِ تَارَةً وَمِنَ الشَّيْطَانِ أُخْرَى، وَالْمَحْفُوظُ مَنْ حَفِظَهُ اللَّهُ - تَعَالَى -.

الْحَدِيثُ الرَّابَعُ والْخَامِسُ حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ إِذَا هَلَكَ كِسْرَى وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُمَا فِي أَوَاخِرِ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ، وَالْغَرَضُ مِنْهُمَا قَوْلُهُ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ.

الْحَدِيثُ السَّادِسُ حَدِيثُ عَائِشَةَ، وَهُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ تَقَدَّمَ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ، وَاقْتَصَرَ هُنَا عَلَى آخِرِهِ لِقَوْلِهِ: وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ وَمُحَمَّدٌ فِي أَوَّلِ هَذَا السَّنَدِ هُوَ ابْنُ سَلَامٍ، وَعَبْدَةُ هُوَ ابْنُ سُلَيْمَانَ، وَفِي قَوْلِهِ ﷺ: لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا دَلَالَةٌ عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِمَعَارِفَ بَصَرِيَّةٍ وَقَلْبِيَّةٍ، وَقَدْ يُطْلِعُ اللَّهُ عَلَيْهَا غَيْرَهُ مِنَ الْمُخْلَصِينَ مِنْ أُمَّتِهِ لَكِنْ بِطَرِيقِ الْإِجْمَالِ، وَأَمَّا تَفَاصِيلُهَا فَاخْتُصَّ بِهَا النَّبِيُّ ﷺ، فَقَدْ جَمَعَ اللَّهُ لَهُ بَيْنَ عِلْمِ الْيَقِينِ وَعَيْنِ الْيَقِينِ، مَعَ الْخَشْيَةِ الْقَلْبِيَّةِ وَاسْتِحْضَارِ الْعَظَمَةِ الْإِلَهِيَّةِ عَلَى وَجْهٍ لَمْ يَجْتَمِعْ لِغَيْرِهِ، وَيُشِيرُ إِلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْمَاضِي فِي