وكانوا يسمونه الصادق الأمين، وكان الله - عزوجل- قد صانه عن قبائحهم، ولم يعرف منه قط كذبة، ولا خيانة، ولا فاحشة، ولا ظلم قبل النبوة، بل شهد مع عمومته حلف المطيبين على نصرة المظلومين.
وأما الإقرار بالصانع وعبادته، والإقرار بأن السماوات والأرض مخلوقة له، محدثة بعد أن لم تكن، وأنه لا خالق غيره؛ فهذا كان عامتهم يعرفونه، ويقرون به فكيف لا يعرفه هو، ويقر به؟ وذكر الشيخ بعض علامات النبوة، وتغير العالم بمولده، ثم قال: لكن هذا لا يجب أن يكون مثله لكل نبي، فإنه أفضل الأنبياء، وهو سيد ولد آدم، والله -سبحانه- إذا أهّل عبدا لأعلى المنازل والمراتب، رباه على قدر تلك المرتبة، فلا يلزم إذا عصم نبينا أن يكون معصوما قبل النبوة من كبائر الإثم، والفواحش صغيرها وكبيرها، أن يكون كل نبي كذلك، ولا يلزم إذا كان الله بغض إليه شرك قومه قبل النبوة أن يكون كل نبي كذلك، كما عرف من حال نبينا -صلى الله عليه وسلم- وفضائله لا تناقض من أخبار غيره إذا كان كذلك، ولا يمنع كونه نبيا لأن الله فضل بعض النبيين على بعض، كما فضلهم بالشرائع والكتب والأمم.
وهذا أصل يجب اعتباره، وقد أخبر الله أن لوطا كان من أمة إبراهيم، وممن آمن له أن الله أرسله، والرسول الذي نشأ بين أهل الكفر الذين لا نبوة لهم، ثم يبعثه الله فيهم يكون أكمل وأعظم ممن كان من قومه لا يعرفونه، فإنه يكون بتأييد الله له أعظم من جهة تأييده بالعلم والهدى، ومن جهة تأييده بالنصر والقهر.*
(قلت): وبهذا يظهر اختلاف درجات الأنبياء والرسل وعدم الاحتياج إلى التكلف في الجواب عن مثل آية إبراهيم ونحوها، وأن قصارى ما يقال
* إلى هنا انتهى النقل الطويل عن شيخ الإسلام ابن تيمية من كتاب "تفسير آيات أشكلت" ١/ ١٧٧ - ٢٣٢، والذي ابتدأه المصنف في ص ١٠٤.