يَقْسِمَها فِيهَا. وقِسمةُ الفَيءِ غيرُ قسمةِ الغَنِيمة الَّتِي أَوْجَفَ اللهُ عَلَيْهَا بالخَيْلِ والرِّكاب. وأَصلُ الفَيْءِ: الرُّجُوعُ، سُمِّيَ هَذَا المالُ فَيْئاً لأَنه رَجَعَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَمْوالِ الكُفّار عَفْواً بِلَا قِتالٍ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي قِتالِ أَهلِ البَغْيِ: حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ
، أَي تَرجِعَ إِلَى الطاعةِ. وأَفَأْتُ عَلَى الْقَوْمِ فَيْئاً إِذَا أَخَذْتَ لَهُمْ سَلَبَ قوْمٍ آخَرِينَ فجئْتَهم بِهِ. وأفَأْتُ عَلَيْهِمْ فَيْئاً إِذَا أَخذتَ لَهُمْ فَيْئاً أُخِذَ مِنْهُمْ. وَيُقَالُ لنَوَى التَّمْرِ إِذَا كَانَ صُلْباً: ذُو فَيْئَةٍ، وَذَلِكَ أَنه تُعْلَفُه الدّوابُّ فَتَأْكُلُه ثُمَّ يَخرُج مِنْ بُطُونِهَا كَمَا كَانَ نَدِيًّا. وَقَالَ عَلْقمةُ بْنُ عَبدَةَ يَصِفُ فَرَسًا:
سُلَّاءةً كَعصا النَّهْدِيِّ، غُلَّ لَهَا ... ذُو فَيْئَةٍ مِن نَوَى قُرَّانَ، مَعْجُومُ
قَالَ: ويفسَّر قَوْلُهُ غُلَّ لَها ذُو فَيْئَةٍ تَفْسِيرين، أَحدهما: أَنه أُدْخِلَ جَوْفَها نَوًى مِن نَوى نَخِيل قُرَّانَ حَتَّى اشْتَدَّ لَحْمُهَا، وَالثَّانِي: أَنه خُلِق لَهَا فِي بَطْنِ حَوافِرها نُسورٌ صِلابٌ كأَنها نَوَى قُرَّان. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَا يَلِيَنَّ مُفَاءٌ عَلَى مُفِيءٍ.
المُفَاءُ الَّذِي افْتُتِحَتْ بلدَتُه وكُورَتُه، فَصَارَتْ فَيْئاً لِلْمُسْلِمِينَ. يُقَالُ: أَفَأْتُ كَذَا أَي صَيَّرته فَيْئاً، فأَنا مُفِيءٌ، وَذَلِكَ مُفَاءٌ. كأَنه قَالَ: لَا يَلِينَّ أَحدٌ مِنْ أَهل السَّواد عَلَى الصَّحابة وَالتَّابِعِينَ الَّذِينَ افتَتَحُوه عَنْوةً. والفَيْءُ القِطعةُ مِنَ الطَّيْرِ، وَيُقَالُ لِلْقِطْعَةِ مِنَ الطَّيْرِ: فَيْءٌ وعَرِقةٌ وصَفٌّ. والفَيْئَةُ: طَائِرٌ يُشبه العُقابَ فَإِذَا خافَ البرْد انحدَرَ إِلَى الْيَمَنِ. وجاءَه بَعْدَ فَيْئَةٍ أَي بَعْدَ حيِنٍ. وَالْعَرَبُ تَقُولُ: يَا فَيْءَ مَالِي، تَتَأَسَّف بِذَلِكَ. قَالَ:
يَا فَيْءَ مَالِي، مَنْ يُعَمَّرْ يُفْنِه ... مَرُّ الزَّمانِ عَلَيْهِ، والتَّقْلِيبُ
وَاخْتَارَ اللِّحياني: يَا فَيَّ مَالِي، ورُوي أَيضاً يَا هَيْءَ. قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَزَادَ الأَحمر يَا شيْءَ، وَكُلُّهَا بِمَعْنًى، وَقِيلَ: مَعْنَاهَا كُلُّهَا التَّعَجُّب. والفِئةُ: الطائفةُ، وَالْهَاءُ عِوَضٌ مِنَ الْيَاءِ الَّتِي نَقَصَتْ مِنْ وَسَطِهِ، أَصله فِيءٌ مِثَالُ فِيعٍ، لأَنه مِنْ فاءَ، وَيُجْمَعُ عَلَى فِئون وفِئاتٍ مِثْلَ شِياتٍ ولِداتٍ ومِئاتٍ. قَالَ الشَّيْخُ أَبو مُحَمَّدِ بْنُ بَرِّيٍّ: هَذَا الَّذِي قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ سَهْوٌ، وأَصله فِئْوٌ مِثْلُ فِعْوٍ، فَالْهَمْزَةُ عَيْنٌ لَا لَامٌ، وَالْمَحْذُوفُ هُوَ لَامُهَا، وَهُوَ الْوَاوُ. وَقَالَ: وَهِيَ مِنْ فَأَوْتُ أَي فَرَّقْت، لأَن الفِئة كَالفرقةِ. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنه دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكلَّمه، ثُمَّ دَخَلَ أَبو بَكْرٍ عَلَى تَفِيئةِ ذَلِكَ
أَي عَلَى أَثَرِه. قَالَ: وَمِثْلُهُ عَلَى تَئِيفةِ ذَلِكَ، بِتَقْدِيمِ الياءِ عَلَى الفاءِ، وَقَدْ تُشَدِّدُ، والتاءُ فِيهِ زَائِدَةٌ عَلَى أَنها تَفْعِلة، وَقِيلَ هُوَ مَقْلُوبٌ مِنْهُ، وِتَاؤُهَا إِما أَن تَكُونَ مَزِيدَةً أَو أَصلية. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَلَا تَكُونُ مَزِيدَةً، والبِنْيةُ كَمَا هِيَ مِنْ غَيْرِ قَلْبٍ، فَلَوْ كَانَتِ التَّفِيئَة تَفْعِلةً مِنَ الفَيْءِ لَخَرَجَتْ عَلَى وَزْنِ تَهْنِئة، فَهِيَ إِذًا لَوْلَا القلبُ فَعِيلةٌ لأَجل الإِعلال، وَلَامُهَا هَمْزَةٌ، وَلَكِنَّ الْقَلْبَ عَنِ التَّئِيفة هُوَ الْقَاضِي بِزِيَادَةِ التاءِ، فَتَكُونُ تَفْعِلةً.
[فصل القاف]
قبأ: القَبْأَةُ: حَشِيشةٌ تَنْبُت فِي الغَلْظِ، وَلَا تَنْبُتُ فِي الجَبَل، تَرْتَفِعُ عَلَى الأَرض قِيسَ الإِصْبَعِ أَو أَقلَّ، يَرعاها المالُ، وَهِيَ أَيضاً القَباةُ، كَذَلِكَ حَكَاهَا