للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

واسْتَفْعَل، إِنَّمَا تَعْتَلُّ بِاعْتِلَالِ أَفعالها الثُّلَاثِيَّةِ الْبَسِيطَةِ الَّتِي لَا زِيَادَةَ فِيهَا كاسْتَقَام إِنَّمَا اعْتَلَّ لِاعْتِلَالِ قَامَ، واسْتقال إِنَّمَا اعتلَّ لِاعْتِلَالِ قَالَ، وَإِلَّا فَقَدْ كَانَ حُكْمُهُ أَن يَصِحَّ لأَن فَاءَ الْفِعْلِ سَاكِنَةٌ، فَلَمَّا كَانَتِ اسْتَوْسَقَ واسْتَتْيس وَنَحْوُهُمَا دُونَ فِعْلٍ ثُلَاثِيٍّ بَسِيطٍ لَا زِيَادَةَ فِيهِ، صَحَّتِ الْيَاءُ وَالْوَاوُ لِسُكُونِ مَا قَبْلَهُمَا، وَهَذَا المَثَل يُضْرَبُ لِلرَّجُلِ يَكُونُ فِي حَدِيثٍ أَو صِفَةِ شَيْءٍ ثُمَّ يَخْلِطُهُ بِغَيْرِهِ وَيَنْتَقِلُ إِلَيْهِ، وَأَصْلُهُ أَن طَرَفة بْنَ العَبْد كَانَ عِنْدَ بَعْضِ الْمُلُوكِ والمسيَّبُ بْنُ عَلَسٍ يُنْشِدُهُ شِعْرًا فِي وَصْفِ جَمَل، ثُمَّ حَوَّله إِلَى نَعْتِ نَاقَةٍ فَقَالَ طَرَفَةُ: قَدِ اسْتَنْوق الْجَمَلُ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ وأَنشد الْفَرَّاءُ:

هَزَزْتُكُمُ لَوْ أَنَّ فِيكُمْ مَهَزَّةً، ... وذكَّرْت ذَا التأْنيث فَاسْتَنْوَقَ الجَمَلْ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَالْبَيْتُ الَّذِي أَنشده المُسيَّب بْنُ عَلَس هُوَ قَوْلُهُ «٢»:

وإنِّي لأُمْضِي الهَمَّ عِنْدَ احْتِضاره ... بناجٍ، عَلَيْهِ الصَّيْعَريَّةُ، مِكْدَمِ

والصيْعَرِيّةُ: مِنْ سِماتِ النُّوق دُونَ الجِمال. وجَمَل مُنَوَّق: ذَلُول قَدْ أُحْسِنَت رِيَاضَتُهُ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي ذُلِّلَ حتى صُيِّر كَالنَّاقَةِ. وَنَاقَةٌ منوَّقة: عُلِّمت الْمَشْيَ. والنَّوَّاق مِنَ الرِّجَالِ: الَّذِي يُرَوِّضُ الأُمور وَيُصْلِحُهَا. وَفِي الْحَدِيثِ:

أَن رَجُلًا سار معه جَمَلٍ قَدْ نَوَّقَهُ وخَيَّسه

: المُنَوَّقُ: المذلَّل وَهُوَ مِنْ لَفْظِ النَّاقَةِ كأَنه أَذهب شِدَّةَ ذُكُورَتِهِ وَجَعَلَهُ كَالنَّاقَةِ المُرَوَّضة الْمُنْقَادَةِ. وَفِي حَدِيثِ

عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: وَهِيَ نَاقَةٌ مُنَوَّقة.

وتَنَوَّق فِي الأَمر أَي تأَنَّق فِيهِ، وَبَعْضُهُمْ لَا يَقُولُ تَنَوَّق، وَالِاسْمُ مِنْهُ النِّيقةُ. وَفِي الْمَثَلِ: خَرْقاءُ ذَاتُ نِيقَة؛ يُضْرَبُ لِلْجَاهِلِ بالأَمر وَهُوَ مَعَ جَهْلِهِ يدَّعي الْمَعْرِفَةَ ويتأَنق فِي الإِرادة، ذَكَرَهُ أَبو عُبَيْدٍ. ابْنُ سِيدَهْ: تَنَوَّق فِي أُموره تَجَوَّد وَبَالَغَ مِثْلُ تأَنَّق فِيهَا؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

كأَنَّ عَلَيْهَا سَحْقَ لِفْقٍ تَنَوَّقَتْ ... بِهِ حَضْرَمِيّاتُ الأَكفِّ الحَوَائك

عدِّاه بِالْبَاءِ لأَنه فِي مَعْنَى ترفقَتْ بِهِ، قَالَ: وَهِيَ مأْخوذة مِنَ النِّيقة؛ قَالَ ابْنُ هَرَمٍ الْكِلَابِيُّ:

لأُحْسِنُ رَمَّ الوَصْل مِنْ أُم جَعْفَرٍ ... بحَدِّ القَوافي، والمُنَوَّقَةِ الجُرْدِ

وَقَالَ جَمِيلٌ فِي النِّيْقَةِ:

إِذَا ابْتُذِلَتْ لَمْ يُزْرِها تَرْكُ زِينةٍ، ... وَفِيهَا، إِذَا ازْدانتْ لِذِي نِيقةٍ، حَسْبُ

وَقَالَ اللَّيْثُ: النِّيقةُ مِنَ التَّنَوُّق. تَنَوَّق فُلَانٌ فِي مَنْطِقِهِ وَمَلْبَسِهِ وأُموره إِذَا تجوَّد وَبَالَغَ، وتَنَيَّق لُغَةٌ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَشَاهِدُ النِّيقَةِ قَوْلُ الرَّاجِزِ:

كأَنها مِنْ نِيقةٍ وشَارَهْ، ... والحَلْي بَيْنَ التبنِ والحِجارَهْ

مَدْفَع مَيْثاءَ إِلَى قَرارهْ، ... لَكِ الكلامُ، واسْمعي يَا جارَه

وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ حَمْزَةَ: تَأَنَّقَ مِنَ الأَنَقِ، والأَنِيقُ المُعْجِبُ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:

صِرْتُ إِلَى رَوْضاتٍ أَتَأَنَّقُ فِيهِنَّ

أَي أُسَرُّ وأُعْجَبُ بِهِنَّ، قَالَ: وَلَا يُقَالُ تَأَنَّقْتُ فِي الشَّيْءِ إِذَا أَحكمته، وَإِنَّمَا يُقَالُ تَنَوَّقْتُ. ابْنُ سِيدَهْ: وانْتَاق كَتَنَوَّقَ، وَقِيلَ انْتاق الشَّيْءَ مَقْلُوبٌ عَنِ انْتَقَاهُ. أَبُو عُبَيْدٍ: والانْتِياقُ مِثْلُ الانْتِقَاءِ؛ قَالَ:

مِثْلُ القِياسِ انْتَاقَها المُنَقِّي

يَعْنِي القِسِيَّ، وَكَانَ الْكِسَائِيُّ يَقُولُ: هُوَ مِنَ النِّيقةِ


(٢). وفي رواية أُخرى: إن قائل هذا البيت هو المتلمّس خال طرفة

<<  <  ج: ص:  >  >>