للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اللَّه تَعَالَى عَنْهُمَا، وَبِهَا قرأَ الْكُوفِيُّونَ «٢» وَاحْتَجُّوا بِأَنْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَرأَيت إِن كَانَ الأَوْلَيانِ صَغِيرَيْنِ. وَفُلَانٌ أَولى بِكَذَا أَي أَحْرى بِهِ وأَجْدَرُ. يُقَالُ: هُوَ الأَولى وَهُمُ الأَوالي والأَوْلَوْنَ عَلَى مِثَالِ الأَعلى والأَعالي والأَعْلَوْنَ. وَتَقُولُ فِي المرأَة: هِيَ الوُلْيا وَهُمَا الوُلْيَيانِ وهُنَّ الوُلى، وإِن شِئْتَ الوُلْيَياتُ، مِثْلُ الكُبْرى والكُبْرَيانِ والكُبَرُ والكُبْرَيات. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي

، قَالَ الْفَرَّاءُ: المَوالي ورَثةُ الرَّجُلِ وَبَنُو عمِّه، قَالَ: والوَلِيُّ والمَوْلى وَاحِدٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَمِنْ هَذَا قَوْلِ سَيِّدِنَا

رَسُولِ اللَّه، صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّما امرأَةٍ نَكحَتْ بِغَيْرِ إِذن مَوْلاها

، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ:

بِغَيْرِ إِذن وَلِيِّها

، لأَنهما بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَرَوَى ابْنُ سَلَامٍ عَنْ يُونُسَ قَالَ: المَوْلى لَهُ مَوَاضِعَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: مِنْهَا المَوْلى فِي الدِّين وَهُوَ الوَلِيُّ وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لَا مَوْلى لَهُمْ

، أَي لَا وَلِيَّ لَهُمْ، وَمِنْهُ قَوْلِ سَيِّدِنَا

رَسُولِ اللَّه، صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ كنتُ مَولاه فعليٌّ مَولاه

أَيْ مَن كنتُ وَلِيَّه، قَالَ:

وَقَوْلُهُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، مُزَيْنَة وجُهَيْنَةُ وأَسْلَمُ وغِفارُ مَوالي اللهِ وَرَسُولِهِ

أَي أَوْلِياء اللَّهِ، قَالَ: والمَوْلى العَصَبةُ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي

، وَقَالَ اللِّهْبِيُّ يُخَاطِبُ بَنِي أُمية:

مَهْلًا بَني عَمِّنا، مَهْلًا مَوالِينا، ... امْشُوا رُوَيْدا كَمَا كنْتُمْ تَكُونونا

قَالَ: والمَوْلى الحَلِيفُ، وَهُوَ مَنِ انْضمَّ إِليك فعَزَّ بعِزِّك وَامْتَنَعَ بمَنَعَتك، قَالَ عَامِرٌ الخَصَفِي مِنْ بَنِي خَصَفةَ:

همُ المَوْلى، وإِنْ جَنَفُوا عَليْنا، ... وإِنَّا مِنْ لِقائِهِم لَزُورُ

قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: يَعْنِي المَوالي أَي بَنِي الْعَمِّ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا. والمَوْلى: المُعْتَقُ انْتَسَبَ بِنَسَبِكَ، وَلِهَذَا قِيلَ للمُعْتَقِين المَوالي، قَالَ: وَقَالَ أَبو الْهَيْثَمِ المَوْلى عَلَى سِتَّةِ أَوجه: المَوْلى ابْنُ الْعَمِّ والعمُّ والأَخُ والابنُ والعَصباتُ كُلُّهُمْ، والمَوْلى النَّاصِرُ، وَالْمَوْلَى الْوَلِيُّ الَّذِي يَلِي عَلَيْكَ أَمرك، قَالَ: وَرَجُلٌ وَلاء وَقَوْمٌ وَلاء فِي مَعْنَى وَلِيّ وأَوْلِياء لأَن الوَلاء مَصْدَرٌ، والمَوْلى مَوْلى المُوالاة وَهُوَ الَّذِي يُسْلِمُ عَلَى يَدِكَ ويُوالِيك، والمَوْلى مَوْلى النِّعْمة وَهُوَ الْمُعْتِقُ أَنعم عَلَى عَبْدِهِ بعتقِه، والمَوْلى المُعْتَقُ لأَنه يُنْزِلُ مَنْزِلَةَ ابْنِ الْعَمِّ يَجِبُ عَلَيْكَ أَن تَنْصُرَهُ وَتَرِثَهُ إِنْ مَاتَ وَلَا وَارِثَ لَهُ، فَهَذِهِ سِتَّةُ أَوجه. وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لَا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ، قَالَ: هَؤُلَاءِ خُزاعةُ كَانُوا عاقَدُوا النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَن لَا يُقاتِلوه وَلَا يُخرجوه، فأُمِر النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بالبِرِّ والوَفاء إِلى مدَّة أَجلهم، ثُمَّ قَالَ: إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ... أَنْ تَوَلَّوْهُمْ

، أَي تَنْصُروهم، يَعْنِي أَهل مَكَّةَ، قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: جَعَلَ التولي هاهنا بِمَعْنَى النَّصْر مِنَ الوَليّ، والمَوْلى وَهُوَ النَّاصِرُ. وَرُوِيَ

أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: مَنْ تَوَلَّاني فلْيَتَوَلَّ عَلِيًّا

، مَعْنَاهُ مَنْ نَصَرَني فليَنْصُرْه. وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ تعالى: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ

، أَي تَوَلَّيْتُمْ أُمور النَّاسِ، وَالْخِطَابُ لِقُرَيْشٍ، قَالَ الزَّجَّاجُ: وقرىءَ

إِنْ تُوُلِّيتُمْ

، أَي وَلِيَكُمْ بَنُو هَاشِمٍ. وَيُقَالُ: تَوَلَّاكَ اللَّهُ أَي وَلِيكَ اللَّهُ، وَيَكُونُ بِمَعْنَى نَصَرَك اللَّه.

وقوله، صلى


(٢). قوله" وبها قرأ الكوفيون" عبارة الخطيب: وبها قرأ حمزة وشعبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>