للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سيرين قال: جمع أهل المدينة قبل أن يقدم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وقبل أن تنزل الجمعة وهم الذين سموه الجمعة، قالت الأنصار: لليهود يوم يجتمعون فيه كل سبعة أيام وللنصارى كذلك، فهلم فلنجعل يومًا نجتمع فيه نذكر اللَّه ونصلي ونشكر أو كما قالوا، فقالوا: يوم السبت لليهود ويوم الأحد للنصارى؛ فاجعلوه يوم العروبة -وكانوا يسمون يوم الجمعة يوم العروبة- فاجتمعوا إلى أسعد بن زرارة -رضي اللَّه عنه- فصلى بهم يومئذ ركعتين وذكرهم وذبح لهم شاة فتغدوا منها وتعشوا لقلتهم فسموه يوم الجمعة لاجتماعهم إليه، ثم أنزل اللَّه بعد ذلك: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} (١) يعني ففرضها عليهم (٢).

وهذا وإن كان حديثًا مرسلًا فهو صحيح الإسناد من أحسن المراسيل، ويقويه ما صح عن كعب بن مالك -رضي اللَّه عنه- أنه كان إذا سمع النداء للجمعة ترحم على أبي أمامة أسعد بن زرارة -رضي اللَّه عنه- فسأله ابنه عن ذلك فقال: يا بني هو أول من صلى بنا الجمعة (٣).

فهذا يدل على خلاف الرواية الأولى، وأن مصعب بن عمير لم يصل بهم أولًا، ويتأيد هذا القول أيضًا بما تقدم من قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَضَلَّ اللَّهُ عَنِ الْجُمُعَةِ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا" وقال فيه: "فَجَاءَ اللَّهُ بِنَا فَهَدَانَا لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ".

وَالظَّاهِرُ أن هاتين الركعتين اللتين كان أسعد بن زرارة يصليهما بهم غير صلاة الجمعة؛ لأن فرضهم أولًا كان صلاة الظهر ولم يكن لهم تركها إلى هاتين الركعتين إلا بتوقيف، ثم لما فرض اللَّه عليهم الجمعة استقرت الركعتان عوضًا عن صلاة الظهر.

وإنما عدلت اليهود إلى يوم السبت، والنصارى إلى يوم الأحد؛ لما زعموا جميعًا


(١) الجمعة: الآية ٩.
(٢) رواه عبد الرزاق (٥١٤٤).
(٣) رواه أبو داود (١٠٦٩)، وابن ماجه (١٠٨٢)، وابن خزيمة (١٧٢٤).
قال الحافظ في "الفتح" (٢/ ٣٥٥): إسناده حسن. وكذا حسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (٩٨٠).

<<  <   >  >>