للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا كان كل واحد من النسكين [٦٨/ ب] يحتمل أن يصحّ، ويحتمل أن لا يصحّ لم يحتسب له بالشك، وإذا قلنا بقوله القديم، وأنه يجوز إدخال العمرةً على الحج احتسب له بالعمرةَ لأنه إن كان معتمرا فقد حصلت له، وإن كان حاجّاً فقد أدخل عليه العمرةَ، ولا يحتسب له الحج، لأنه يجوز أن يكون معتمرا، وإدخال الحج على العمرةَ بعد الطواف لا يجوز فإن أراد هذا الشاكَ أن يحصل لنفسه الحج حلق عقيب الطواف والسّعي وأحرم بالحج فيحصل له بالحج، لأنه إن كان إحرامه لعمرةً فقد تحلل منه وأحرم الحج، وإن كان بالحج فلا يضره هذا التحلل، ويلزمه دم، لأنه إن كان محرمًا بالعمرةَ أولًا، فهو متمتع، وإن كان محرمًا بالحج فقد وجب عليه دم الحلاق، وإن كان قارنًا أو صار قارنًا، فعليه دم القران فقد وجب دم بيقين لأنه لا ينفك عن قران، أو تمني أو حلاق، وهو محرم، وفي الدم الآخر وجهان:

أحدهما: لا يجب لأنه لا يجب إلا بيقين.

والثاني: يجب احتياطًا، وقد مضى نحو هذا فيما تقدم، والصحيح الأول لأن وجوب الدم بالحلق مشكوك فيه، ولا يجب بالشك.

وقال القفال: هكذا ذكر ابن الحداد، ولكن قال أصحابنا: هو غلط؛ لأنه كيف يأمر بالحلق ولا ندري هل يجوز له الحلق أم لا؟ ولكن لو فعل ذلك فالحكم على ما ذكره ولا يجزئه هذه العمرة قولًا واحدًا لأنه لم ينو العمرةَ الآن ولا ثبت أنه كان معتمرًا في الابتداء. وقال أبو حامد: إن كان هذا الشق بعد الوقوف قبل طواف القدوم أجزأه الحج لأنه إن كان حاجًا، أو قارناً فقد انعقد إحرامه بالحج، وإن كان معتمرا فقد أدخل الحج على العمرةَ قبل طواف العمرةَ، فيصح حجه [٦٩/ أ] ولا تجزيه العمرةْ لأن إدخال العمرةَ على الحج لا يجوز إذا وقف بعرفةً قولًا واحدًا. وهكذا ذكر صاحب "المهذب"، وهو غلط ظاهر؛ لأن إدخال الحج على العمرةُ قبل طواف العمرةً وإن صح فلا يصح الحج بعد فوات الوقوف، وإن كان مراده مع بقاء زمان الوقوف وقف بعدما نوى القران فلا إشكال فيه.

مسألة: قال (١): "ويرفع صوته بالتلبية".

الكلام الآن في كيفيةَ التلبيةَ وما يستحب فيها والأصل في التلبية ما ذكرنا. وروى أبو هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما أهل مهل قط إلا بشر، ولا مكبر قط إلا بشر" قيل: يا رسول الله بالجنة؟ قال: "نعم" (٢). وروى سيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال: التلبية زينة الحج. ويستحب رفع الصوت بها لما ذكرنا من الخبر، ولأن معناه معنى الأذان الذي لا يسمعه شيء إلا شهد له، ولا يزيد في رفع صوته بحيث ينقطع صوته أو ينطبق حلقه يل ينبغي أن يكون صوته بين الصوتين وسطًا لما روي عن بعض الصحابة أنه قال: آمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برفع الصوت في التلبية فرفعنا أصواتنا، فما بلغنا الروحاء حتى بحت حلوقنا، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تنادون أصم ولا غائبًا" (٣).


(١) انظر الأم (٢/ ٦٣)
(٢) أخرجه ابن ماجه ((٢٨٩٢))، والبيهقي في "الكبرى" ((٠٣٨٧) (١)).
(٣) أخرجه البخاري ((٥) (٠) (٤٢))، ومسلم (٤٥/ ٢٧٠٤)، وأحمد (٤/ ٤٠٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>