فتكون صلاة الظهر بأذان وإقامة والعصر بإقامة من غير أذان, ولا يقتصر في الخطبة بعرفة على خطبة واحدة كما في اليوم السابع, بل يخطب خطبتين كما في الجمعة.
وقال أبو حنيفة: يؤذن المؤذنون, قبل الخطبتين لتكون خطبتاه بعد الأذان كخطبة الجمعة. وحكي عنه أنه قال: لا يقيم للعصر, وقال مالك: يؤذن لكل واحدةٍ منهما, ويقيم, وقال أحمد: يقيم لهما ولا يؤذن, وهذا كله غلط لما ذكرنا من خبر جابر, وقال ابن عمر رضي الله عنه جمع رسول الله صَلَى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين.
وقال بعض أصحابنا: في كلام الشافعي رضي الله عنه في هذا الموضع دلالة على أن الخطيب إذا فرغ من الخطبة الثانية ينبغى أن ينزل من المنبر، ثم يكون افتتاح الإقامة بعد نزوله على خلاف ما جرت به العادة اليوم في المساجد, فلعل هذه الحادثة إنما استحدثت لارتفاع درجات المنابر المستحدثة فإنها أعلى وأرفع, وأكثر درجات من درجات منبر رسول لله صَلَى الله عليه وسلم, وذكر الشافعي رضي الله عنه إذا جلس الإمام أخذ المؤذنون في الأذان, ثم قال في الإقامة, ويقيم المؤذن, ولم يقل ويقيم المؤذنون, وفي هذا دلالتان اثنتان:
إحداهما: أن الإقامة لمؤذن واحد والأذان يجوز أن يكون بعدد بين المؤذنين.
والثانية: أن المؤذنين إذا ضاق بهم الوقت [١٢٧/أ] , جاز لهم المراسلة بالأذان, وإذا كان الوقت واسعًا, ولم يكن لهم عذر المبادرة إلى دعاء يوم عرفة, فالمستحبّ أن يؤذنوا واحداً بعد واحد متعاقبين غير متراسلين.
فرْعُ
ينبغي أن يخطب قائمًا ولا يقعد إلّا بعذر, وينبغي أن يخطب بعرفة على منبر أو على مكان عالٍ ليكون أبلغ في الأسماع, وإذا صعد المنبر جلس قبل أن يبتدئ بالخطبة, وليس مع هذه الجلسة أذان كما في الجمع. وقال بعض أصحابنا: جلس بقدر أذان, وروى هذا الجلوس في خبر جابر ويخفف الخطبة الأولى ولا يطولها. قال سالم بن عبد الله للحجاج: إن كنت تريد أن تصيب السنة فاقصر الخطبة وعجل من الخطب لا يتولاها غيره إلا أن يعرض له عذر, فيستخلف كما في الصلاة لأن النبيّ صَلَى الله عليه وسلم باشر هذا بنفسه.
وقال بعض أصحابنا: ويضرب للإمام الآن خباء أو قبة اقتداء برسول الله صَلَى الله عيه وسلم.
فرْعٌ آخرُ
اعلم أنه روى عن حارثة بن وهب الخزاعي رضي الله عنه قال: صليت مع رسول الله صَلَى الله عليه وسلم بمنى آمن ما كان الناس وأكثره ركعتين في حجّة الوداع (١). وروى عن عبد الرحمن بن يزيد رضي الله عنه, قال: صلّى بنا عثمان رضي الله عنه بمنى أربعاً, فقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: صليت مع النبيّ صَلَى الله عليه وسلم بمنى ركعتين ومع أبي بكر ومع
(١) أخرجه البخاري (١٠٨٣) , ومسلم (٢١/ ٦٩٦).