للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسلمون عليها وهي: الذهب والفضة، والبر، والشعير، والتمر، والملح. واختلف الناس في ثبوت الربا فيما عداها. فحكي عن طاوس، وقتادة، ومسروق، والشعبي وعثمان البتي، وداود بن علي الظاهري.

ونفاة القياس بأسرهم انه لا ربا فيما عدا الستة المنصوص عليها فلا يجوز التخطي عنها إلى ما سواها تمسكاً بالنص، ونفياً للقياس، واطراحاً للمعاني.

وذهب جمهور الفقهاء ومثبتو القياس إلى ان الربا يتجاوز المنصوص عليه إلى ما كان في معناه. وهذه المسألة فرع على إثبات القياس والكلام فيها يلزم من وجهيىن: أحدهما: من جهة إثبات القياس، فإذا ثبت كونه حجة ثبت أن الربا يتجاوز ما ورد عليه النص من الأشياء الستة وهذا يأتي في موضعه من كتاب أدب القاصي إن شاء الله تعالى.

والثاني: من طريق الاستدلال الظاهر والدليل عليه من هذا الطريق ثلاثة أشياء:

-أحدهما: قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة:٢٧٥]. والربا اسم للزيادة والفضل من طريق اللغة والشرع. أما اللغة فكقولهم قد ربا السويق إذا زاد، وقد أربى علي في الكلام إذا زاد في السب، وهذه ربوة من الارض إذا زادت على ما جاورها. وأما الشرع: فكقوله تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة:٢٧٦]. أي يضاعفها ويزيد فيها وقوله: {فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ} [الحج:٥]. أي زادت ونمت.

وإذا كان الربا ما ذكرنا اسماً للزيادة لغة وشرعاً دل عموم الاية على تحريم الفضل والزيادة إلا ما خص بدليل.

والدلالة الثانية: ما روي عى النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن بيع الطعام بالطعام إلا مثلاً بمثل. والطعام اسم لكل مطعوم من بر وغيره في اللغة والشرع. أما اللغة فكقولهم طعمت الشيء أطعمه وأطعمت فلاناً كذا إذا كان الشيء مطعوماً وإن لم يكن براً.

وإما الشرع فلقوله تعالى {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ} [آل عمران:٩٣] يعني كل مطعوم فأطلق عليه اسم الطعام. وقوله: {فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} [البقرة:٢٤٩] فسمى الماء مطعوماً لأنه مما يطعم.

وقالت عاثشة: عشنا دهراً وما لنا طعام إلا الأسودان التمر والماء. وإذا كان اسم الطعام بما وصفنا من شواهد اللغة والشرع يتناول كل مطعوم من بر وغيره. كان نهيه عن بيع الطعام بالطعام محمولاً على عمومه في كل مطعوم إلا ما خص بدليل. فإن قيل فهذا وإن كان عاماً فمخصوص ببيان النبي - صلى الله عليه وسلم - الربا في الأجناس الستة. قيل: بيان بعض ما يتناوله العموم لا يكون تخصيصاً لأنه لا ينافيه، وإن شذ بعض أصحابنا فجعله تخصيصاً.

والدلالة الثالثة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نص على البر وهو أعلى المطعومات، وعلى الملح وهو أدنى المطعومات فكان ذلك منه تنبيهاً على أن ما بينهما لاحق بأحدهما. لأنه ينص تارة على الأعلى لينبه به على الأدنى كما قال تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>