للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يملكه من ورق وعين ويكونا في الربح متساويين ويكون مالهما سواء ويقولان: تفاوضنا شركة المفاوضة أو تشاركنا شركة المفاوضة تم بموجبها أن كل ما لزم أحدهما هن ضمان أو إتلاف مال بالغصب كان الآخر شريكًا فيه إلا في الجناية على الأحرار فقط وكل ما استفاده أحدهما من وجوه التجارة كلها كان بينهما. وإن كان من غير التجارات كالصيود والهبات والميراث نظر، فإن لم يكن من جنس الأثمان فهما على الشركة، وإن كان من جنس الأثمان فهما على نفس الشركة ما لم يقبضه فإذا قبضه زالت المفاوضة وصارت شركة عنان. قال: ولا تجوز بين حر ومكاتب، ولا بين مسلم وذمي ولا عند تفاوت ماليهما ولا عند اشتراط تفاضل الربح، ولا يجوز أن ينفرد أحدهما بشيء من النقود خارجًا عن الشركة. قال الشافعي (١) رحمة الله عليه: لو كانت شركة المفاوضة صحيحة فليس في الدنيا عقد باطل ما القمار إلا هذا أو القمار أقل منه. واحتجوا بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا تفاوضتم فأحسنوا المفاوضة". وروي أنه قال: "فاوضوا فإن في المفاوضة بركة" وهذا غلط لأنها شركة لا تصح بين حر ومكاتبة، ولا بين مسلم وذمي، ولا عند تفاضل المال فلا يصح أصلًا وفيها غرر من وجوه ويشتمل على عقود باطلة فلا وجه لتجويزها. وأما الخبر: غير معروف، وإن ثبت أراد المفاوضة في الحديث والمشاورة والمناظرة في العلوم وفي هذا المعنى قال عليه السلام: "لا تجادلوا فإن المجادلة من الشيطان". ولو خالفا واشتركا على ما قال أبو حنيفة رحمه الله [٤٨/ أ) كان لكل واحد من الربح بقدر ماله ويرجع كل واحد منهما على صاحبه بأجرة مثل عمله على ماله.

وأما شركة الأبدان فباطلة وصورتها يشترك صانعان على أن يعملا فما رزق الله تعالى من فضل كان بينهما كالنجارين والحائكين والخياطين ونحو ذلك فكله باطل سواء اتفقت الصنعتان أو اختلفتا. وقال أبو حنيفة: يصح ذلك بكل حال إلا في الاحتطاب والاحتشاش والاغتنام. وقال أحمد: يجوز في جميعها. وقال مالك: يجوز مع اتفاق الصنعتين، ولا تجوز مع الاختلاف لأن الحاجة تدعو إلى ذلك في الصنعة الواحدة ويتقارب الكسبان فيها. وهذا غلط لأنها شركة على غير مال فلا تجوز كما لو اختلف الصنعتان وهذا على مالك. وكما لو كان في الاحتشاش ونحوه وهذا على أبي حنيفة. وأما ما ذكره لا يصح لأنه لا حاجة إلى هذه الشركة ويكفي جواز الاستعانة بالإجارة وإذا كانت الصنعتان متفقتين قد يختلف كسبهما ويتقارب عند اختلاف الصنعتين فلا اعتبار بما ذكره. واحتج أحمد بما روي "أن سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود وعمار بن ياسر رضي الله عنهم اشتركوا فيما يغنمونه فأتى سعد بأسيرين ولم يأتيا بشيء فشرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهما" (٢). وهذا غلط لما ذكرنا، ولا حجة في هذا الخبر "لأن


(١) أنظر الأم (٣/ ٢٠٦).
(٢) أخرجه أبو داود (٣٣٨٨)، والنسائي (٤٦٩٧)، وابن ماجه (٢٢٨٨ (.

<<  <  ج: ص:  >  >>