غنائم بدر كانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان له أن يدفعها إلى من يشاء" فدفعها إليهم لهذا. وقال بعض أصحابنا: للشافعي قول آخر إنه تجوز شركة الأبدان، لأن الشافعي قال في كتاب "الإقرار": ولو أقر أحد الشريكين على صاحبه بمال لم أقبل إقراره، سواء كانا شريكين في المال أو العمل.
وقال ابن أبي هريرة: فَرّع الشافعي هذا على قول من أجاز شركة الأبدان دون مذهب نفسه. أو أراد اشتركا في المال على أن يعملا جميعًا فيه مناعة واحدة فالمسألة على قول واحد أنها لا تجوز. فإذا تقرر هذا، فلو اشتركا وعملا لا يخلو عملهما من أحد أمرين، إما أن يكون عمل كل واحٍد منهما متميزًا عن عمل صاحبه أو غير متميز، فإن كان متميزًا مثل أن يكون أحدهما خاط قميصًا والآخر قميصًا آخر أو نجر أحدهما بابًا والآخر [٤٨/ ب] بابًا آخر أو حاك أحدهما ثوبًا والأخر ثوبًا آخر فإن لكل واحدًا منهما أجرة ما عمله لا يشاركه صاحبه فيها، وإن كان غير متميز مثل أن يكونا نجرا بابًا واحدًا أو نسجا إزارًا واحدًا، أو خاطا ثوبًا واحدًا قسما الأجرة على قدر أجور أمثالهما.
وأما شركة الوجوه: فهي أن يكون رجلان وجيهان في السوق يشتركان على أن ما يشتري كل واحد منهما ويبيعه بجاهه يكون بينهما نصفين. ومن أصحابنا من قال: تفسيرها أن يكون رجل وجيه في السوق قال لآخر لا جاه له: أنا آخذ المتاع بجاهي وأعطيك حتى تتصرف فيه ويكون ما يحصل من الربح بيننا نصفين، فأحدهما يحصل المتاع، والآخر يتصرف فيه، ويكون من أحدهما الشراء ومن الآخر البيع.
وقد ذكرهما صاحب "الإفصاح" على الاختصار فقال: شركة الوجوه أن يقول: مني المال ومنك التصرف، أو يكون ما يكتسب بجاهه فهو بينهما فعندنا لا تجوز هذه الشركة. وحكي عن أبي حنيفة أنه أجازها وقيل: هي أن يكون الرجل ذا جاه فيقول لغيره: اشترِ على جاهي متاعًا والربح بيننا.
وتسمى شركة الجاه أيضًا. وقيل شركة الجاه أن يكون الجاه لأحدهما وشركة الوجوه أن يكون الجاه لهما. وهذا خلاف في العبارة والحكم فيهما سواء وهو البطلان والعلة ما ذكرنا في شركة الأبدان. فإذا تقرر هذا فإن اشتركا هكذا وتصرفا لا يخلو حال مشتري المتاع، فإن اشتراه لنفسه فهو مالك له ولا شيء للآخر في ربحه ولا عليه خسرانه. وإن اشتراه كله لصاحبه لا يصح، لأنه أذن له في شراء نصفه، ويكون الشراء لازمًا له في النصف الزائد على القدر الذي أذن له فيه، والنصف المأذون فيه يلزم الآمر على الشروط التي يذكرها، ولا يخرج على قولي تفريق الصفقة لأن الصفقة لم تختلف في الصحة والفساد. وإن اشتراه بينهما فهو في النصف مشتر لنفسه فلزمه وفي النصف الآخر في حكم المشتري لموكله فيصح بثلاثة شرائط: أن يكون وصف له النوع الذي يتجر فيه سواء كان نوعًا واحدًا أو أنواعًا لأن الإذن في شراء ما لم يوصف باطل. والثاني: أن يقدر له المال الذي يشتري به لأن ما لم يقدره لا نهاية له بخلاف [٤٩/ أ]