أحدها: أن يكون منيعاً بالقفل الذي يفتحه، فهذا عدوان يجب به الضمان.
والثاني: أن يكون غير منيع كالختم يكسره، والشداد يحله، ففي ضمانه بذلك وجهان أصحهما يضمن، لما فيه من هتك الحرز، ولذلك قال عمر رضي الله عنه لشريح: طينة خير من طينة يعني أن طينة الختم تنفي التهمة.
والسابع: أن ينوي الخيانة والتعدي، فقد كان أبو العباس بن سريج يرى أن ذلك موجب لضمانها ويجعل النية فيها، كالفعل من وجوب الضمان، استدلالاً بأن النية من تملك اللقطة يقوم مقام التصرف من ثبوت المالك، فكذلك ضمان الوديعة، والذي عليه جمهور أصحابنا أنه لا يضمنها بالنية، لأن النية إنما تراعى في حقوق الله تعالى لا من حقوق الآدميين، ولو جاز أن يصير متعدياً بالنية لجاز أن يصير خائناً وسارقاً بالنية، ولأن النية ما أثرت في حرزها فلم تؤثر في ضمانها، غير أنه يأثم بها، فأما اللقطة فمع النية من تملكها علم ظاهر وهو انقضاء حق التعريف، إن كان من أصحابنا من لم يجعله مالكاً مع النية إلا بالتصرف. وقال أبو حامد المروزي: يجعله مالكاً مع النية إلا بالتصرف فإن نوى حبسها لنفسه، وإن لم يرده علي ربما ضمنها، وإن نوى أن يخرجها من حرزها إخراج عدوان لم يضمنها، وهذا أصح. والفرق بينهما: أنه إذا نوى أن لا يردها أمسكها لنفسه فضمنها، وإذا نوى أن يخرجها فقد أمسكها لمالكها فلم يضمنها.
فصل
فإذا استقر ضمان الوديعة من أحد هذه الأقسام بالتعدي ثم كف عن تعديه وأعادها إلى حرزها لم يسقط عنه الضمان.
وقال أبو حنيفة ومالك: قد سقط عنه الضمان، استدلالاً بأن الحكم إذا ثبت لعلة زال بزوالها كالشدة المطربة في الخمر، والردة الموجبة للقتل، قالوا: ولأنه قد يضمن الوديعة بالإخراج كما يضمن المحرم الصيد بالإمساك، فلما كان إرسال المحرم للصيد بعد إمساكه مسقطاً للضمان وجب أن يكون إعادة المستودع لها بعد الإخراج مسقطاً للضمان، قالوا: ولأنه لما كان لو أخرجها من حرز المستودع سارق فضمنها سقط عنه الضمان بردها كان أولى إذا أخرجها المستودع فضمنها أن يسقط عنه الضمان بردها.
ودليلنا هو أنه ما ضمنت به الوديعة لم يسقط بارتفاع سببه كالجحود، ولأن من ضمن باليد لم ينفرد بإسقاط الضمان كالغاضب، ولأن الضمان إذا وجب بالإخراج من الحرز لم يخرج بالرد إلى الحرز كالسارق، ولأنه قد خرج بالتعدي في الأمانة، فلم يعد إليها باستئناف أمانة وإلا كان أمين نفسه، ولأن الضمان إذا تعلق بذمته لم يكن له سبيل إلا إبراء نفسه بنفسه فأما استدلالهم بأن الحكم إذا ثبت لعلة زال بزوالها فالعلة لم تزل، لأن التعدي الأول انقطع ولم يرتفع، وأما إرسال المحرم للصيد فإنما سقط عنه الضمان، لأنه قد أعاده إلى حقه.
ومثاله من الوديعة أن يعيدها إلى مالكها، وأما السارق من المستودع فقد اختلف