عليه بالسفه كان على وليه رد الوديعة على ربها، فإن لم يفعل ضمنها الولي، لزوال الائتمان بطروء الجنون والسفه والله أعلم.
فصل
فإذا تقرر ما وصفنا ومات المستودع فلا يخلو حال الوديعة من أحد أمرين: إما أن تكون موجودة بعينها أو غير موجودة، فإن كانت موجودة وعينها باقية لزم الوارث تسليمها إلى مالكها وذلك بأحد ثلاثة أمور.
إما بوصية الميت، وإما بإقرار الوارث، وإما ببينة يضمنها المودع، فإن لم تكن بينة ولا وصية وأنكر الوارث وادعاها مالكاً، فالقول فيها قوله مع يمينه، هذا إذا كانت الوديعة موجودة بعينها فأما إذا لم توجد الوديعة بعينها فهذا على ثلاثة أقسام:
أحدهما: أن يعلم تلفها بغير تفريط إما بوصية الميت أو ببينة تشهد بذلك فلا ضمان من تركة البيت، فإن أكذب المالك الميت في وصيته بتلفها فله إحلاف الورثة ثم هم براء.
والثاني: أن يعلم أنها تفلت بتفريطه وتعديه إما بوصية أو ببينة تشهد له بذلك، فهي مضمونة من ماله ويحاص المالك بها جميع الغرماء،.
والثالث: أن يجهل حالها فقد قال الشافعي (١): ويحاص رب الوديعة الغرماء، فاختلف أصحابنا في ذلك على أربعة مذاهب:
أحدهما: وهو ظاهر كلام الشافعي: أنها مضمونة من تركة الميت، وهو قول أبي حنيفة، لأن الظاهر من ثبوت يده عليها أنها تلفت بفعله.
والثاني: أنها غير مضمونة من تركته وهو قول ابن أبي ليلى، لأن الأصل بقاؤه على أمانته.
والثالث: أنه إن وجد في تركته من جنسها كانت مضمونة فيها، وان لم يوجد من جنسها شيء في تركته لم يضمن، وهذا قول أبي حامد المروروزي لأن الظاهر من وجود جنسها أنها فيه أو منه.
والرابع: أنه إن ذكر في وصيته عند موته أن عنده وديعة كانت مضمونة في تركته، وإن لم يذكر ذلك لم يضمن، لأنه لا يوصي بالوديعة إلا وهي عنده أو عليه، ثم إذا صارت على ما ذكرنا من هذه الوجوه مضمونة من تركته، فإن لم يكن في التركة من جنسها شيء حاص رب الوديعة بها جميع الغرماء، وان كان في التركة شيء من جنسها فيها وجهان:
أحدهما: يتقدم بها على الغرماء اعتباراً بالظاهر من الجنس أنه منها.
والثاني: يكون أسوتهم ولا يتقدم عليهم اعتباراً باليقين في الاشتراك.
(١) انظر الأم (٤/ ٦٣).